العوامل التي جعلت من لبنان

تربة خصبة لنشاط وحركة القاعدة

حسين عطوي، لبنان

كاتب في الفكر السياسي

 

تطرح الأحداث الأمنية التي يشهدها شمال لبنان وبعض المناطق الأخرى الأسئلة حول ما إذا كان تنظيم القاعدة قد أصبح قوة موجودة في لبنان، وكيف أمكن له أن يتحول بهذه السرعة إلى لاعب أساسي من اللاعبين على الساحة اللبنانية، من دون أن يكون لحساباته وسياساته علاقة بالحسابات المحلية، باعتباره تنظيميا عالمياً وليس محليا، ما يجعل لممارسته والأعمال التي يقوم بها تأثيراً على مجرى المعادلة المحلية، بينما هذه الممارسة غير محكومة بالضوابط التي تحكم سياسات ومواقف الأطراف اللبنانية.

إن وجود تنظيم القاعدة في لبنان ليس حديث العهد، ففي صفوف القاعدة العديد من اللبنانيين المؤسسين الذين شاركوا في القتال في أفغانستان، ومن ثم في العراق، وقبلها في أحداث 11 أيلول، حيث شارك اللبناني زياد الجراح من بلدة المرج البقاعية في الهجمات التي استهدفت برجي منظمة التجارة العالمية في نيويورك، ومقر البنتاغون في واشنطن.

ومن المعروف أيضا أن المجموعة التي وقفت وراء أحداث الضنية في أواخر عام 1999 أعضاؤها ممن كانوا في أفغانستان، والمسؤول عنهم بسام كنج المعروف بعلاقته القوية بتنظيم القاعدة في أفغانستان.

غير أن هذه المشاركة اللبنانية المؤسسة في تنظيم القاعدة، لم تدفع القاعدة إلى أن تفكر بان يكون لبنان مسرحاً أساسيا من مسارح نشاطها الفعلي، حيث كانت  تعمل على أن يكون فقط عامل إمداد بالمقاتلين الذين يتم تنظيمهم للمشاركة في الحرب في العراق وأفغانستان، حتى تفجرت الأزمة في لبنان، اثر صدور القرار1559، الذي كان بمثابة بداية تنفيذ لخطة أميركية فرنسية لأحداث انقلاب في لبنان يطيح بالنظام اللبناني والثوابت التي كرسها اتفاق الطائف، وبالتالي محاولة استعادة لبنان ليكون حلقة من حلقات المشروع الأميركي لتقويض قوى الممانعة والصمود والمقاومة في المنطقة.

إلا أن هذه الخطة، التي بدأت ترجمتها العملية باغتيال الرئيس رفيق الحريري، أدت إلى إحداث الانقسام في البلاد، وزيادة حدة الصراعات الداخلية، وإضعاف الدولة المركزية، ما شكل الأساس الذي دفع القاعدة إلى التفكير جديا في اعتبار لبنان من الدول التي يجب أن تكون مسرحاً لنشاطها.

فالقاعدة لم تتواجد علنا في أي دولة، وتتحول إلى قوة ذات تأثير فيها، إلا عندما توفرت عدة شروط في هذه الدولة، وهذه الشروط هي:

1 ـ انهيار أو ضعف الدولة المركزية وعدم قدرتها على بسط سيطرتها على أرضها، وسيادة الصراع بين أجنحتها المختلفة.

2 ـ سيادة حالة من الصراع والانقسام السياسي في البلد بين الأطراف السياسية المتعددة.

3 ـ انتشار  حالة الفقر والحرمان وسط السكان، ما يوفر البيئة الخصبة للتمرد على الدولة ونمو نفوذ المنظمات المتطرفة.

وإذا ما أخذنا بالاعتبار هذه الشروط، نجد أنها توفرت أولاً في أفغانستان، فكانت البلد الأول الذي اختير من قبل القاعدة ليكون المنطلق لتحركها، ثم الصومال الذي يشهد منذ الثمانينيات صراعاً على السلطة وانقساما واسعا وغياب الدولة مركزية، فيما الفقر يعم أغلبية السكان.

وبعد ذلك تمكنت القاعدة من توسيع نشاطها وتحركها إلى العراق، بعد أن احتلت القوات الأميركية هذا البلد العربي، وعمدت إلى تدمير الدولة العراقية، وحل الجيش العراقي، وبث الفوضى والاضطراب والصراعات، فيما عم الفقر والبؤس، ما شكل البيئة المناسبة لدخول القاعدة وتعزيز قوتها ونفوذها في بلاد الرافدين.

اليوم يمكن القول أن لبنان تتوافر فيه ذات الظروف، التي توافرت في أفغانستان والصومال والعراق، كي يصبح مسرحاً لعمل ونشاط القاعدة، خصوصاً وأن الأخيرة تبحث منذ فترة عن طريقة للوصول إلى الحدود مع فلسطين المحتلة، من أجل تنفيذ عمليات ضد إسرائيل فتسد الثغرة التي تشكل مصدر انتقاد للقاعدة، لكونها لا تقوم بأي عمليات ضد إسرائيل، التي تشكل القاعدة الأميركية الأولى في المنطقة.

فلبنان اليوم يعيش حالة انقسام وصراع على مستوى السلطة والشارع، وهناك حالة فقر وحرمان في بعض المناطق أوجدت التربة الخصبة لتنفذ منها القاعدة وتستغلها كي تضع لبنان على جدول أعمالها باعتباره من الدول التي يجب أن تركز نشاطها فيها لاستهداف إسرائيل والقوات المتعددة الجنسيات وفتح معركة معها.

ولذلك استغلت حالة الانقسام والصراع ووجدت في بيئة الفقر في شمال لبنان والبقاع الغربي ومنطقة عين الحلوة، التربة الخصبة لإيجاد قاعدة لها تتحصن فيها وتتواجد تحت أسماء مختلفة، في إطار عملية التمويه التي تعتمدها.

وقد كشفت الأحداث الأمنية في شمال لبنان مدى تغلغل تنظيم القاعدة والقوة والنفوذ اللذين بات يحظى بهما في هذه المنطقة، وغيرها من المناطق، وخصوصاً في منطقة الشمال تحت اسم "فتح الإسلام"، ومنطقة عين الحلوة حيث تنظيمات "عصبة الأنصار" و"جند الشام" و"عصبة النور"، والتي تعتبر فروعاً من فروع القاعدة. وجاءت الاعتقالات الواسعة في البقاع الأوسط والغربي لبعض الخلايا لتؤكد حقيقة أن القاعدة باتت موجودة في لبنان، ومتغلغلة في الجسم اللبناني، وتعمل على تكوين قاعدة أساسية، وليس مجرد نقطة انطلاقا أو استخدام لبنان ساحة خلفية للتزود والدعم بالمقاتلين الذين يقاتلون في العراق وأفغانستان.

وإذا كانت أحداث نهر البارد المتواصلة كشفت مدى القوة التي بلغها هذا التنظيم، إن كان على مستوى القوة البشرية، أو التجهيز والتدريب، أو الإمكانيات على خوض معركة طويلة بهذا الشكل، فان استهداف قوات اليونيفيل وإطلاق صواريخ الكاتيوشا باتجاه المستوطنات الإسرائيلية، في شمال فلسطين، يعزز من القول بان القاعدة تعمل من اجل فتح جبهة جديدة من جبهاتها ضد القوات الدولية وضد إسرائيل، وليس من المستبعد أن يكون لها مصلحة، كما يبدو، بدفع مجلس الأمن إلى توسيع صلاحيات القوات الدولية في لبنان بما يحولها إلى قوات احتلال بنظر المقاومة والقوى الوطنية، وبالتالي تعزيز بيئة الصراع والانقسام، وتحويل لبنان إلى ساحة تستطيع القاعدة أن تنمو فيها وتتوسع. وقد أظهرت الأحداث الأخيرة الحضور القوي لأعضاء تنظيم القاعدة، ذوي الجنسية السعودية، ما يؤكد وجود توجه مركزي من قبل القاعدة بالتركيز على الساحة اللبنانية، حيث كشفت وقائع المعارك في نهر البارد مشاركة أعداد من السعوديين في القتال، فيما جاءت اعتقالات القوى الأمنية لعناصر من القاعدة في بعض قرى البقاع الغربي والأوسط لتعزز هذه الحقيقة أيضاً.

يبدو من الواضح إذاً أن القاعدة تتغذى من استمرار الانقسام وتفاقم الصراع الداخلي، وطالما ظل هذا هو الواقع فمن المرجح أن تصبح القاعدة قوة في لبنان، حركتها ونشاطها لا يخضعان لحسابات محلية، ما يزيد من تعقيدات الوضع المحلي.

ولذلك فان أي حديث عن اعتماد الحلول الأمنية لمعالجة ما يحصل في شمال لبنان، أو غيره من المناطق، بعيداً عن إيجاد حلول سياسية للأزمة، لن يؤتي ثماره وسيؤدي إلى تفريخ المزيد من الأزمات والمشكلات الأمنية، التي تتناسل من أزمة الصراع والانقسام السياسي في البلاد.

وعليه تبدو المعالجات الفعلية والجادة مرتبطة بإيجاد حكومة وحدة وطنية، ووضع حد لحالة الانقسام والتدخلات الخارجية التي تدخل لبنان في أتون الفوضى والاضطراب.