لقد أصبح الافتراق الأوروأميركي نزاعاً إستراتيجياً

ألين جوكس

ترجمة فريق "العرب والعولمة"

على الرغم من كل شيء، ثمة مؤشرات راسخة منذ زمن بعيد على اتساع متزايد لمسافة الافتراق بين تصورات الولايات المتحدة للنظام العالمي والتصورات الأوروبية. فالقلق جلي بين توجهي "الغرب" في المجال الجغرافي الذي سمّته الولايات المتحدة "الشرق الأوسط الكبير" والذي يشكل في الواقع الجوار الكبير لأوروبا، حيث تسعى السياسة التوسعية الأميركية إلى تدمير محيط السيادة الأمنية للاتحاد الأوروبي. ولقد آن الأوان للاتحاد الأوروبي لاعتماد هذا الافتراق عن واشنطن، وللدفاع العلني عن وجهة نظر مغايرة لتلك التي اعتمدتها الولايات المتحدة منذ استيلاء اليمين الأميركي المتطرف على السلطة. ومن الممكن متابعة مسار هذا التسارع في الافتراق بالمواقف المتخذة وبالتحليلات السياسية، وكذلك بالممارسة العملية، التي تبين أن الأوروبيين حذرون من الانجرار خلف تفاهمات منظمة في التصورات الأمنية المفرطة.

 

تصورات مفترقة

يمكن القول، أنه منذ العام 2002، بدأت العسكرة الإمبريالية تتفوق على العقلانية الليبرالية الاقتصادية، وأن الاستخدام الدائم للقوة في حروب خارجية غير متوازنة، الحروب المباشرة أو الخاضعة لسوق العنف الحرة، الحروب الحكومية أو الخاصة، قد أصبح منذ رئاسة بوش الابن بمثابة المؤسسة الأساسية لتنظيم صيرورة العولمة. ولقد أدى ذلك إلى إلغاء منظمة الأمم المتحدة وإلى فقدان الضعيف لحقه على كل المستويات، وإلى ثقافة إستراتيجية يجب مواجهتها بشدة كما لو أنها "فاشية شاملة".

إن كتاب روبير كاغان Robert KAGAN، المنشور بالفرنسية عام 2003 بعنوان "القوة والضعف"La Puissance et la Faiblesse, Plon 2003، يشير إلى هذا الافتراق كتناقض متزايد بين القوة (المظفرة) للولايات المتحدة والضعف (المتزايد) للأوروبيين الذين يبدون كأنصار للسلم يفتقرون إلى معرفة استخدام القوة. إن وجهة نظر "الجندي المدعي" بددها فشل القوة العظمى الفائقة التقنية- العسكرية وجرائم الحرب التي ارتكبها اليمين الأميركي في العراق وغيرها. وإذا كان التوصيف الذي يقدمه كاغان عن الفرق بين الحضارتين الإستراتيجيتين صحيحاً لحد كبير، فينقصه المفتاح السياسي لتعريفه المقتصر على السلوكيات فقط. فأوروبا تفضل في الحقيقة تفادي الحرب بالسياسة. لقد مولت حرب الخليج وقبلت بالحرب على أفغانستان كعملية مطاردة لبن لادن، ولكن الحرب الأخيرة على العراق كانت أمراً أكثر خطورة، حيث أمكن رؤية عبثية القرارات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية التي اتخذتها الولايات المتحدة، وهي على أي حال قرارات مناقضة لمصالح الاتحاد الأوروبي الأمنية. رفضت أوروبا الحرب المستمرة على الإرهاب في الشرق الأوسط، والتي تفهتها، بتحويلها إلى شعار برنامجي سوي تماماً، رئاسة أميركية رسولية ونورانية. إن "الانعزالية التدخلية النورانية الأميركية" التي وصفها جاك سابير Jacques Sapir عام 2003، بيّن بعد أربع سنوات أنها عامل مؤكد للفوضى في مجمل أوراسيا. لقد بدأت النظرة الوسطية مؤخراً بتبني التوصيف النقدي للتصورات الأميركية. فقام برونو ترتريه Bruno Tertrais، في كتيب نشرته مؤسسة روبرت شومان Fondation Robert Schuman، معبد أوروبا الديمقراطية المسيحية، في تشرين الأول 2006، برسم مسار هذا الطلاق، بإثباته البطلان الجذري للأطروحة التافهة القائلة بالقيم المشتركة في مجال الدين والعنف والمطلوب من الدولة والممارسات الدولية. وهو يعزو الأسباب إلى: "الفرق في تصورات حقوق الإنسان"، و"الفرق في تجربة الحرب على أراضيها بالذات"، و"الفرق في التجربة الاستعمارية". باختصار، ثمة اختلاف شامل، أو هو تقريباً كذلك. وهذا ما يختصره بيير روزانفالون Pierre Rosanvallon بقوله: "تتعارض الكونية العقائدية الأميركية مع الكونية التجريبية الأوروبية"، كما تتعارض الحرب مع الدبلوماسية! إن للصيغة القاسية للعولمة الاقتصادية، وللعنف، وللعمل المؤقت، وللتفاوت، في كل مكان دور تأسيسي، بل إن الإدارة الأميركية ذهبت لحد الدعوة لنشر الديمقراطية بالحرب، وفرضت الرأي القائل بتدمير الإرهابيين والدول المارقة، بدون معالجة الأسباب.

 

ممارسات مختلفة

لقد اتخذ الافتراق، وإن كان محجوباً خلف الخطب الاحتفالية، أشكالاً ملموسة في ممارسات تمليها جغرافية الجوار. وعليه فالافتراق مرسوم في معطى جيوسياسي حتمي: أميركا جزيرة كاملة، جوارها الوحيد هو المكسيك. وهي تسعى إلى أمن لمجالها الكامل بالحملات العسكرية. بينما أوروبا هي شبه جزيرة في المجال الأوراسي (أوروبا وآسيا)، مجاورة لإفريقيا عبر المتوسط. وتسعى لتوسع قائم على التقرب، "حسن الجوار"، من الدول، هذا هو النموذج الذي كرسه الاتحاد الأوروبي. البرنامج، أو بالأحرى المنطق الأميركي، أعاد صياغته مؤخراً الرئيس بوش، بتحديه شبح تنظيم "القاعدة" الموجود في كل مكان، والمعارضة الديمقراطية، بصيغة تقول: "يجب شن الحرب خارج بلادنا، كيلا تقع الحرب داخل حدودنا". وهذا ما يناقض مباشرة البرنامج الأوروبي القائل: "يجب صنع السلم في جوارنا، كيلا تنشب الحرب في بلادنا". ومن دارفور إلى إيران، مروراً بالصومال وأفغانستان؛ ومن مصر إلى تركيا والقوقاز، مروراً بإسرائيل- فلسطين ولبنان وسورية والعراق، نلاحظ اليوم غياب التوافق التام في أي أمر على هذه البقعة الشاسعة بين التصورات الأميركية والتصورات الأوروبية؛ وإن توافقت هذه التصورات، فيكون ذلك محلياً ومؤقتاً، ولأسباب لا صلة بينها. ويمكننا وضع لائحة بعمليات الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي، ودراسة أهدافها وفلسفتها (هذا ما سيشكل موضوع مقال قريب). وسنلاحظ أن عمليات التدخل الأوروبي لحفظ السلم أو في مهام إنسانية هي أكثر عدداً من عمليات حلف الأطلسي، وهذا أمر منطقي تماماً لأن أوروبا نفسها هي منظمة سياسية تفكر أمنها كثمرة كنمو سلمي، بينما يبقى حلف الأطلسي، على الرغم من إعادة صياغة ميثاقه، منظمة عسكرية تفكر الأمن عبر الحملات العسكرية. ومن هنا بالتالي يخيم على العمليات المشتركة القلق. لنأخذ أمثلة ثلاثة فقط:

- لأوروبا وحلف الأطلسي، في دارفور منذ حزيران 2005، مركزان منفصلان لقيادة العمليات: البلدان التي تريد إرسال مساعدتها عبر حلف الأطلسي تقوم بذلك انطلاقاً من قاعدة حلف الأطلسي في مونز Mons (بلجيكا)، بينما من يريد القيام بذلك عبر الاتحاد الأوروبي يرسل المساعدات انطلاقاً من قاعدة إندوفن Eindhoven في هولندا. لقد اعترضت الولايات المتحدة على أن يتم كل ذلك انطلاقاً من قاعدة إندوفن، لقد أصرّ الفرنسيون، وهم داعمون لاستقلالية الاتحاد الأوروبي، على ضرورة البرنامج اللوجستي الأوروبي.

- في أفغانستان، يؤدي اللجوء المستمر إلى الغارات الجوية التي تدمر القرى إلى خسارة أي إمكانية لتعاون السكان الحقيقي. ولهذا فإن العسكريين الفرنسيين الذين يرغبون بالظهور بمظهر معيدي البناء سحبوا وحداتهم الخاصة، واستنكروا عبثية برامج الغارات. وأثناء اجتماع سيفيل Séville في شباط، لوزراء الدفاع في بلدان "أوروبا القارية" ودول حلف الأطلسي، رفضوا إتباع الولايات المتحدة وبريطانيا بإرسال تعزيزات عسكرية لمواجهة طالبان في جنوبي وشرقي أفغانستان. في ذلك الاجتماع، صرح فرانز جوزف يونغ Franz Josef Jung، وزير الدفاع الألماني: "لا أعتقد أنه من الجيد الكلام على إرسال المزيد من الوسائل العسكرية. فعندما كان الروس هناك، كان عندهم 100 ألف رجل، ولم يربحوا القتال. ونحن محررون ولسنا قوات احتلال".

- بالنسبة لإيران، عندما فكرت الولايات المتحدة بمهاجمة إيران، لأنها اعتبرت تحولها النووي ربما سيكون عسكرياً، فإن أوروبا، وروسيا ضمنها، والصين وضعت العوائق لكبح كل ما من شأنه تسهيل مغامرة قرار بالعقوبات من قبل الأمم المتحدة وتحت الفصل السابع. وعليه استمرت المفاوضات. وها هي الولايات المتحدة ملزمة اليوم على الاقتراب من توجه تقرير بيكر- هاملتون. هذا بينما كانت خطة بيكر مرفوضة كلياً بوصفها متعارضة مع الإرادة العقائدية بتدمير الدول المارقة، وبحيث أنه يبدو اليوم أنه لا توجد سياسة أميركية ثابتة في هذا المجال. فهل نظن حقيقة، أن بوش، بحسه البيئي، بات متقبلاً لبرنامج الإنتاج المدني للكهرباء النووية؟

في خلاصة الأمر. لا شك أن الوضع خطير جداً. فالولايات المتحدة تعاني حالياً من فقدان الدعم ما قد يدفع الإدارة إلى أن تقوم، بفعل الاضطرابات المعممة حول حرب العراق، بفعل ما، كعملية هروب إلى الأمام، ما يجبر الحلفاء أو الخصوم إلى دعمها. علينا أن نأمل بأن يكون وزن الاتحاد الأوروبي اليوم قادراً على التخفيف من هذا الخطر، وأن يتصرف بحيث يحمي من الحرب الأهلية البلدان المهددة بالعرقنة، كلبنان وفلسطين وسورية وتركيا، وأن يقترح أشكالاً ينهي نظام الحرب المنطلقة حول نفط الخليج.

 

ترجمة فريق "العرب والعولمة"

المراجع:

Alain JOXE, L’Empire du Chaos, la découverte, 2002

Robert KAGAN, La Puissance et la Faiblesse, Plon 2003

Jacques SAPIR, « Endiguer l’isolationnisme interventionnisme providentialiste américain » , Revue Internationale et Stratégique , n° 51, (IRIS/PUF), automne 2003.

Bruno TERTRAIS, Etats Unis Europe , valeurs communes ou divorce culturel ?, Fondation Robert Schuman, 2006

Pierre ROSANVALLON, « Europe/Etats Unis, les deux universalismes », le Monde, 22/2/2005.

 

المصدر:

La divergence euroaméricaine devient un conflit stratégique

Alain Joxe, 24 juin 2007

Débat stratégique n° 91 Mai 2007