ملف: بنك الجنوب

ترجمة تطوعية: ماري إبراهيم

1- صندوق النقد الدولي في تراجع مستمر

2- بنك الجنوب: قراءة في مسودة التأسيس

3- بنك الجنوب بتمويل ذاتي نزيه

 

في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة تنشأ ظاهرات ثورية متسارعة تسجلها شعوب أميركا اللاتينية والجنوبية في خط مواجهة العدوانية الشاملة للرأسمالية العالمية التي يعبر عنها ثالوث العولمة النيوليبرالية: الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي واليابان. لقد أسقطت المبادرات البوليفارية خيار التوحيد الملحق بالاستعمار الأميركي، خيار ”اتفاقية التبادل الحر في القارة الأميركية“ (ألينا ALENA) المتمحورة حول الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، واستبدلته بخيار ”البديل البوليفاري للقارة الأميركية“ (ألبا ALBA) ومحوره الأساسي يتكون من فنزويلا وبوليفيا وكوبا وهاييتي ونيكاراغوا بالإضافة إلى الإكوادور كعضو مراقب).

يسجل ”البديل البوليفاري“ خطوات مؤسسة ومؤثرة في استكمال توحيد شعوب أميركا اللاتينية والجنوبية بعملية تكامل متصاعد بين كياناتها السياسية، وكيفية تثمير مواردها الطبيعية الوفيرة، واتجاهاتها الثقافية والإعلامية (تليسور)، ومبادراتها السياسية ومنها ما يسمى ”اشتراكية القرن الواحد والعشرين“ و“الثورة البوليفارية“... واليوم ثمة خطوة جريئة شديدة الفعالية على طريق صيانة استقلال هذه الشعوب والتحكم بالتنمية لصالحها. إنها خطوة تأسيس ”بنك الجنوب“ ليكون بديلاً مبدعاً عن ”البنك الدولي“ و“صندوق النقد الدولي“ وهما مؤسستان يستخدمهما ”ثالوث العولمة“ النيوليبرالية لتحريف تطور ما يسمى بلدان الجنوب ونهب ثرواتها.

إن من شأن تجربة شعوب أميركا اللاتينية أن تحفز شعوب أمتنا العربية والإسلامية (وهي اليوم سباقة في المقاومة الجهادية المسلحة وفي الممانعة بوجه الصهيونية والرأسمالية العالمية النهابة) للبحث عن سبل التكامل الثقافي والسياسي والتنموي.

ومن أجل توضيح ماهية ”بنك الجنوب“ اعتمدنا ترجمة ثلاثة نصوص تتناول الموضوع: ”صندوق النقد الدولي في تراجع مستمر“؛ ”بنك الجنوب، قراءة في مسودة التأسيس“؛ ”بنك الجنوب بتمويل ذاتي نزيه“.

العرب والعولمة

 

 1- صندوق النقد الدولي في تراجع مستمر

 مقابلة مع مارك ويسبرو Mark Weisbrot أجراها فرناندو كراكوفياك Fernando Krakowiak، بتاريخ 4 تموز 2007.

مارك ويسبرو خبير اقتصادي ومدير مشارك في مركز البحوث الاقتصادية والسياسيةCenter for Economic and Policy Research، مركزه في واشنطن. كان في أصعب مراحل الأزمة الأرجنتينية، سنة 2002، واحداً من خبراء الاقتصاد القلائل الذين نصحوا الدولة بعدم توقيع اتفاقٍ مع صندوق النقد الدولي، وشبهه بديكتاتورية سوهارتو في أندونيسيا. فحسب رأيه، شكّل قرار الأرجنتين نقطةً حاسمةً في تخفيض تأثير المؤسسة على المستوى الدولي لأن هذا القرار قد برهن للدول الأخرى أن التنمية والوصول إلى أسواق المال دون اللجوء إلى صندوق النقد الدولي أمران ممكنان. في نيسان المنصرم، ترأس مؤتمراً في واشنطن مع وزير الاقتصاد، فيليسا ميتشلي Felisa Miceli، كرر فيها إعجابه بالإصلاح الاقتصادي الأرجنتيني. وخلال لقاءٍ مع كاش Cash، ملحقٍ اقتصاديٍ لليومية الأرجنتينية باجينا12 (12Página)، أكد أنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تعيد إنشاء مؤسسةٍ مماثلةٍ. وقد لفت النظر أيضاً إلى أهمية عملية الاندماج التي التحقت بها دول أميركا اللاتينية وإلى قرار شافيز بتوظيف مال النفط ليتحول إلى مدين المنطقة، ولكنه يؤكد أيضاً أن فنزويلا ليست القائد الجديد لهذه العملية: "الكل يشارك في تغيير العلاقات بين دول المنطقة والولايات المتحدة".

 

س: قلتم سابقاً، في مقالٍ ظهر في أول نيسان1 أن صندوق النقد الدولي يتجه نحو التقاعد المبكر، لأن البرازيل والأرجنتين قلصتا من تأثيره، بإيفائهما كامل الدين المستحق عليهما.

ج: هذا صحيح. تأثير صندوق النقد الدولي على الساحة العالمية لا يتوقف عن التراجع، والأرجنتين ساهمت بشكلٍ أساسيٍ في هذا السياق. ثلاثة عناصر شاركت في إضعاف هذه المؤسسة خلال السنوات العشر االأخيرة، خصوصاً في الدول ذات الدخل الوسيط. في الموقع الأول، في نهاية التسعينيات، راكمت الدول الآسيوية إحتياطياً كي لا تكون مجبرة على الإستدانة من الصندوق. ثم قررت الأرجنتين أن تقف بوجه هذا الصندوق، وأن تخرج نفسها من الأزمة دون اللجوء إلى مساعدته وأن تفي دينها له بالكامل. وأخيراً، إقترحت فينزويلا أن تقدم للمنطقة مصدراً آخراً للتمويل.

 

س: وقلتم أيضاً أنه إذا اختارت الدول ذات الدخل الضعيف الاستغناء عن صندوق النقد الدولي، فإن وضعها سيكون معرضاً للمشاكل. هل من المتوقع حقاً أن يحدث أمر مماثل؟

ج: ممكن. بوليفيا، مثلاً، دولةٌ ذات دخل منخفض، قررت، في آذار بعد خضوعها مدة 20 عامٍ لقواعد صندوق النقد الدولي، عدم تجديد االعقد الذي كان يربطها بالصندوق. هذا أيضاً تحولٌ تاريخيٌ. ويجدر الذكر أن هذا القرار لم يسبب لها أي شكلٍ من العقوبات: ما زال البلد يتلقى مساعدة الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. والأمر مماثلٌ في الأرجنتين التي نالت قرضاً بقيمة 1.2 مليار دولار من البنك الأميركي للتنمية Banque interaméricaine de Développement BID. أن تتابع دولٌ تلقي الأموال رغم قرارها بعدم تجديد اتفاقها مع صندوق النقد الدولي كان أمراً لا يمكن تخيله في الماضي. لذا، فإن ما قامت به الأرجنتين لهو أمرٌ مهمٌ جداً: لم تسمح لنفسها بالخشية وبرهنت أنه من الممكن الوقوف بوجه صندوق النقد الدولي دون أن تنقطع مصادر تمولها. 

 

س: ولكن الدول الأعضاء في منتدى باربس يصرون على الأرجنتين لتوقيع اتفاقٍ جديدٍ مع صندوق النقد الدولي قبل أن تعاود التفاوض بشأن دينها.

ج: لم يكن ممكناً في الماضي إعادة التفاوض مع منتدى باريس دون إنجاز على الأقل اتفاقٍ واحدٍ مع صندوق النقد الدولي. بالنسبة لنيجيريا، أنشأ الصندوق نهجاً جديداً سمح لهذه الدولة أن تلتف على هذه الإلزامية. واستفادت الأرجنتين من حلٍ مماثلٍ، لأنها رفضت توقيع اتفاقٍ جديدٍ، ولأن الصندوق يخشى أن يخلق هذا الأمر سابقةٌ جديدةٌ قد تستغلها دولٌ أخرى.

 

س: إن صندوق النقد الدولي أداةٌ بيد الدول المتطورة وقد استغلته في العقود الأخيرة لتفرض سياسةً مالية على دول الأطراف. إذا لم يتغير ميزان القوى هذا، هل يمكن تصور حلول مؤسسة مشابهة مكانه؟

ج: كلا، لا يمكنهم إنشاء مؤسسة كصندوق النقد من جديد، لأن إنشاءه تم في 1944 وكان يعكس علاقات القوى في تلك الحقبة، حيث كانت الولايات المتحدة في واقع الأحداث القوة العظمى الوحيدة عالمياً. اليوم، حتى منظمة التجارة العالمية تعمل على أساس المبدأ التالي: كل القرارات يجب أن تتم الموافقة عليها من قبل كل الدول الأعضاء.

 

س: تدفع الأرجنتين ودولٌ أخرى باتجاه إصلاح هذا الصندوق. أتعتقدون أن هذا ممكنٌ، أو من الأجدى أن يزول صندوق النقد الدولي؟

ج: الإصلاحات هي دائماً أمرٌ جيدٌ، رغم أنني أعتبر أن صندوق النقد الدولي هو مماثلٌ لديكتاتورية. ففي أندونيسيا، خلال حكم سوهارتو الديكتاتوري (1966-1998)، كان الناس يناضلون من أجل إصلاح النظام الداخلي في مجاليّ حقوق الإنسان والاقتصاد، متمنيين زوال هذه الديكتاتورية. وصندوق النقد الدولي هو ديكتاتورية.

 

س: أتعتقدون أن صندوق النقد الدولي سيزول في السنوات القادمة؟

ج: لا أعتقد أنه سيزول على المدى المنظور، إنما لن يعود لوجوده من أهمية كالسابق، كما هي الحال في كثيرٍ من الدول ذات الدخل المنخفض. المشكلة الكبرى، هي أنه سيكون بالتأكيد هناك في مكانٍ ما في العالم أزمةٌ اقتصاديةٌ جديدةٌ: نجهل متى وأين، إنما حدثت مئات الأزمات المالية المختلفة خلال هذه السنوات الثلاثين الأخيرة. عند حدوث هذه الأزمة، سيتصرف صندوق النقد الدولي بسرعة كبيرة، كما فعل إبان الأزمة المالية الآسيوية (1997-1998) ليحاول توطيد نفسه ويكون صاحب القرار بمساعدة مصلحة الخزينة الأميركية. إنما لن يكون عمله سهلاً أبداً.

 

س: في 2002، كنتم من الخبراء الاقتصاديين القلائل الذين قالوا أنه بإمكان الأرجنتين الخروج من الأزمة بدون صندوق النقد الدولي. والآن بما أننا رأينا أن الأرجنتين قد تطورت، فهل من مناصرين لموقفكم هذا؟

ج: على سبيل المثال، فإن فايننشال تايمز Financial Times قد اعترفت اليوم أن عودة النمو الاقتصادي متينٌ وأن كثيرين من الخبراء الاقتصاديين كانوا مخطئين. وتغير أسلوب وسائل الإعلام عند الحديث عن هذه المواضيع، وذلك بفضل أعمالنا وتحديداً المتعلقة منها بصندوق النقد الدولي ومسؤوليته في هذه الأزمة.

 

س: لقد تقاسمتم مؤخراً الأضواء في واشنطن مع وزير الاقتصاد الأرجنتيني، فيليسا ميتشلي، خلال مؤتمرٍ عن الأرجنتين بعنوان "قصة نجاح لاتيني-أميركي". على ماذ استندتم للقول أن الأرجنتين قد نجحت؟

ج: يسجل هذا البلد منذ أربع سنوات نسبة نمو مدهشة، خصوصاً بالمقارنة مع دول أميركا اللاتينية الأخرى. بالإضافة لذلك، أكثر من تسعة ملايين فردٍ قد تخطوا الفقر، والبطالة خفت حدتها بقوة.

 

س: في الأرجنتين، يؤكد الخبراء الاقتصاديون التقليديون أن سياسات الحكومة، في السنوات الأخيرة أدت إلى عزل البلاد واستبعاد الإستثمارات. كيف ترون الموضوع من الخارج؟

ج: بدايةً، من الضروري التوضيح أن السياسات التي اتبعتها الحكومة لم تكن جذرية. إنها سياسات اقتصادية كانت منذ سنوات تعتبر عادية. كانت النيوليبرالية تجربة جذرية. وبالنسبة للإستثمارات الأجنبية المباشرة، يجب أن أقول أنها ليست الأمر الأكثر أهمية لينمو بلدٌ ما. لقد لعبت هذه الإسثمارات دوراً مهماً في الصين خلال السنوات العشرين الأخيرة، ولكن لم تكن هذه حالة دولٍ أخرى مثل كوريا الجنوبية واليابان. إذا لم تتوفر الإستثمارات الأجنبية، يمكن للحكومة إتباع إستراتيجية أخرى.

 

س: هل يخشون في الولايات المتحدة من الإستثمار في الأرجنتين؟

ج: ما يهم المستثمرين هو النمو الاقتصادي وأن تتوفر الفرص للقيام بالأعمال...

 

س: الأرجنتين وفنزويلا والبرازيل والاكوادور وبوليفيا يدفعون باتجاه إنشاء بنك الجنوب لتمويل نموهم. يؤكد البعض أن هذا ليس ضرورياً لأن البنك الدولي يقوم بالعمل ذاته.

ج: سيكون بنك الجنوب ذا أهمية كبرى، لأن إحدى مهامه هي ضمانة الإستقرار في المنطقة، عن طريق تأمين احتياطيٍ لمساعدة الدول التي تعاني من أزمة. البنك الدولي لا يلعب هذا الدور.

 

س: ستكون أيضاً مهمة بنك الجنوب تمويل النمو وهذا ما يقوم به البنك الدولي.

ج: أجل، غير إن البنك الدولي يفرض شروطاً تتعلق بمجل اقتصاد البلدً والدول ملزمة بتطبيقها. بالإضافة إلى أنه ليس مستعداً لتمويل مشاريعٍ متعلقةٍ بالتكامل المناطقي، وهذا ما يمكن لبنك الجنوب أن يقوم به. إن إنشاء هذه المؤسسة أمرٌ أيجابيٌ، لأن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يشكلان جزءاً من اتحادٍ تشرف عليه مصلحة الخزينة الأميركية التي لا تأخذ بعين الاعتبار مصالح الدول الأخرى حين تتخذ قراراتها.

 

س: في السنوات الأخيرة، إلتحقت فنزويلا بمركوسور  Mercosure، مقدمةً بذلك مساعدةٍ ماليةٍ لبلدان المنطقة وحثت على إنشاء أنبوب غاز الجنوب Gazoduc. وساهمت أيضاً في مشروع بنك الجنوب. ما هو رأيكم حول الدور الذي لعبته حكومة هوغو شافيز؟

ج: أعتقد أن دورها مهمٌ وإيجابيٌ. فمثلاً، قرارها بتقديم قروضٍ لدولٍ في المنطقة كان أساسياً لضرب احتكار تقديم القروض من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. لقد ساهم هذا القرار بتغيير تاريخ المنطقة والعالم.

 

س: أتظنون أن واشنطن ستسمح لفنزويلا أن تثبت نفسها كقائدٍ لجنوب القارة؟

ج: ليست فنزويلا القائد. التغيرات تشكل جزءاً من عمليةٍ تشترك فيها دولٌ كثيرةٌ من المنطقة. كل هذه الدول تساهم في تعديل العلاقات بين المنطقة والولايات المتحدة، كما العلاقات بينها كدولٍ وفي داخل الدولة بحد ذاتها، تعديل للعلاقات بين الأغنياء والفقراء.

 

س: لكن ظهور فنزويلا على الساحة يخلق الكثير من التوتر كنتيجةٍ لتواجهها مع رئيس الولايات المتحدة جورج دبليو بوش.

ج: هناك مواجهة بين بوش وشافيز لأن بوش كان قد موّل ودعم انقلاباً سياسياً ومن ثم، محاولاتٍ أخرى لخلعه. اليوم، يتابع بوش تمويل عملياتٍ سريةٍ داخل فنزويلا، وذلك استناداً إلى ملفات الحكومة الأميركية. غير أن ما هو مهمٌ الآن هو مشروع التكامل الاقتصادي الذي تشارك به غالبية دول المنطقة.

 

س: هل ستنظر واشنطن سلبياً إلى هذه العملية أم ستحاول مقاطعتها؟

ج: سيفعلون ما باستطاعتهم، إنما هناك مشاكلٌ أكثر خطورة في الشرق الأوسط، مثل الحرب في العراق. سنرى ما يمكنهم القيام به.

 

س: ماذا سيكون موقف البرازيل ؟ لولا يدعم عملية التكامل ويتنافس في الآن ذاته مع شافيز...

ج: إنه موضوعٌ إعلاميٌ عالميٌ يبالغ بإظهار التنافس. إلى حد الآن، أظهر البلدان علاقاتٍ جيدةٍ جداً. لقد دعم لولا شافيز في حملته الإنتخابية. هما على خلافٍ حول موضوع الإتانول، إنما لا أعتقد أنهم قد يصلان إلى مرحلة قطع العلاقات أو أن يواجهان مشكلاتٍ جوهريةً بسبب هذا الموضوع.

 


1-
The IMF at 63-An Early Retirement  "تقاعدٌ مبكرُ لصندوق النقد الدولي"، متوفرٌ على موقع مركز البحوث الاقتصادية والسياسية:

 http://.cepr.net/index.php?option=com_content&id=1108&Itemid=45

المصدر: www.risal.collectifs.netlarticle.php3?id_article=2294

ترجمة تطوعية: ماري إبراهيم

 

2- بنك الجنوب: قراءة في مسودة التأسيس

 

من المقدر أن يتم الإعلان عن إطلاق "بنك الجنوب" رسمياً في الجولة القادمة. وفي هذا يرى فيليسا ميسيلين Felisa Miceli وزير الاقتصاد الأرجنتيني، أن وثيقة تأسيس "بنك الجنوب" وأنظمته ستكون جاهزة في شهر آب، في لقاء وزراء اقتصاد البلدان الأعضاء في هذا البنك، في ريو دي جنيرو، للموافقة على آخر التفاصيل.

ومن أجل التقديم لهذا الحدث قامت اليومية الأرجنتينية، "باجينا 12" Página 12، بوضع الهيكلية العامة لهذه المؤسسة الإقليمية الجديدة، على قاعدة مسودة التأسيس التي حصلت عليها.

ما هي البلدان الأعضاء في "بنك الجنوب"؟

تعود فكرة تأسيس هذا المصرف إلى الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز الذي اقترح، في آب 2004، تأسيس مؤسسة مالية إقليمية من أجل "الكف عن إيداع إحتياطاتنا المالية في مصارف الشمال" ولنتمكن من التصرف بمواردنا بغية "تبادل المساعدة"، بدل الاقتراض من مؤسسات متعددة الأطراف مثل "صندوق النقد الدولي و"البنك الدولي". لاقى هذا المشروع دعم الأرجنتين، بداية، ثم الإكوادور وبوليفيا، والتحق بهم أخيراً البرازيل والباراغواي. ويأمل المبادرون في هذا المشروع جذب بلدان أخرى من أميركا اللاتينية. ولقد أعلن، في 28 حزيران، وزير اقتصاد الأوروغواي التحاق بلاده بالمشروع.

ما هي غاية هذا المصرف؟

تناولت أهم نقاشات الأشهر الأخيرة الأهداف التي من شأن هذا المصرف اعتمادها. لقد أراد هوغو شافيز أن يعمل المصرف على تشجيع الاستثمار، وان يكون مصدر الإقراض الأساسي في المنطقة، ما يجعله نوعاً من "صندوق النقد الدولي" لبلدان الجنوب. بيد أنه تم الاتفاق على جعله مشابهاً "للمصرف القومي للتنمية في البرازيل". ففي الصيغة الأخيرة للنص المؤسس (الذي استندت إليه اليومية الأرجنتينية) نرى أن "بنك الجنوب" يهدف إلى تمويل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلدان الأعضاء في "الاتحاد الجديد لبلدان أميركا الجنوبية "أوناسور UNASUR" الذي تأسس في نيسان أثناء "قمة الطاقة في أميركا الجنوبية"، وذلك باستخدام "الادخار داخل المنطقة وخارجها، وبتشجيع التكامل، والحد من التناقض، والسعي لتوزيع عادل للاستثمار بين الدول الأعضاء".

ما الوظائف الملموسة التي سيقوم بها؟

أهم وظائف هذه المؤسسة الإقليمية هي:

1- تمويل مشاريع التنمية في القطاعات الأساسية في الاقتصاد، بغية تحسين التنافسية والتطور العلمي والتقني؛

2- تقديم المساعدة التقنية والكفالة والضمانات وغير ذلك مما يدعم التطور المنتج، اقتصادياً ومالياً؛

3- إصدار شتى أنواع السندات وغيرها من الأدوات المالية، والعمل كعميل توظيف لسندات أعضائه، جذب المصادر المالية من كل الأنواع، تقديم المعونة المالية أثناء الكوارث؛

4- تقديم خدمات للمحافظ المالية، وتوفير وظائف لإدارة خزانات الأجهزة الحكومية وبين الحكومات والدولية، وكذلك خزانات المؤسسات العامة والخاصة.

كيف سيكون رأسماله الأولي؟

يكتتب كل عضو بنفس عدد الأسهم. بيد أنه متعين أن الدولة التي ترفع من أسهم اكتتابها ترتفع محفظتها التي على قاعدتها تستحق الحصول على قروض. ولقد أكد غويدو مانتيغا Guido Mantega، وزير المالية البرازيلي، في مطلع أيار، أن كل بلد سيقدم ما بين 300 و500 مليون $. ولكن الرأسمال الذي سيتم إيداعه فعلياً هو أقل بكثير.

كيف ستكون بنيته الإدارية؟

سيكون لهذا المصرف مجلس وزاري يتألف من وزراء اقتصاد الدول التي اكتتبت بأسهم من الفئة أ (وهذا ما يحق فقط لبلدان أوناسور). ويكون لكل دولة صوت واحد، وتتخذ القرارات بالأغلبية المطلقة. يضع هذا المجلس السياسات العامة على المدى الطويل والمتوسط. وسيكون هناك مجلس مديرين، لإدارة الأمور اليومية، ومن ذلك إقرار الموازنات، وانتخاب الرئيس، وتنفيذ السياسة المالية... تسمي كل دولة من الفئة أ مديراً. إن الحكمة من جعل كل دولة تتمتع بصوت واحد في اتخاذ القرارات هو رفض منطق المؤسسات المتعددة الأطراف التي تهيمن عليها الدول الصناعية المتقدمة (العاملة وفق مبدأ: لكل دولار صوت).

الترجمة إلى العربية: فريق "العرب والعولمة

 

3- "بنك الجنوب" بتمويل ذاتي نزيه

أرنو زكاري Arnaud Zacharie

قلما كانت نهاية الألفية السابقة لصالح بلدان الجنوب الصاعدة. وبينما كان معظم المراقبين متفقين في أواسط التسعينيات على التغني "بالمعجزة" الحاصلة في هذه البلدان، فإن إعصاراً مالياً جاء ليدمر غالبية الاقتصادات الصاعدة. وبعد الأزمات اللاتينية- الأميركية والآسيوية والروسية في نهاية التسعينيات، استهلت الألفية الجديدة "بالأزمة تانغو" وبإفلاس الأرجنتين (كانون الأول 2007) الذي تأثرت به الدول المجاورة، ومن ضمنها البرازيل (آب 2002) التي استفادت، عشية الانتخابات الرئاسية، من خطة إنقاذ قياسية من صندوق النقد الدولي (40 مليار دولار) مقابل التأكيد على أن الحكومة القادمة ستتابع تطبيق مبادئ إجماع واشنطن.

 

انقلاب الظروف

تغير الوضع الاقتصادي منذ العام 2003: انخفض سعر الفوائد العالمية، وارتفعت أسعار الكثير من المواد الأولية، ما سمح للدول الصاعدة، في بضع سنوات، بتكديس أكثر من 2000 مليار دولار كاحتياطي للتبادل (من ضمنها أكثر من 1000 مليار للصين وحدها).

وإذا كان هذا الاحتياط قد استثمر جزئياً في قفزات الخزينة الأميركية، وموّل عجز الولايات المتحدة المضاعف، فإنه قد استعمل أيضاً لتجاوز تدريجي لعمليات تحكم المؤسسات المالية العالمية بسياسات تمويل التنمية.

فمن جهة، استعملت عدة دول صاعدة جزءاً من احتياطها لتسدد مسبقاً كامل ديونها لصندوق النقد الدولي وللبنك الدولي، وكذلك لنادي باريس، وذلك كي تتخلص من الديون التي منحتها لها هذه المؤسسات، ولكي تتحرر من تطبيق الشروط التي تضعها هذه المؤسسات لمنح القروض وتخفيف الديون. فبعد تايلاند في 2003، مهدت كل من البرازيل والأرجنتين (كانون الأول 2005) الطريق أمام جملةٍ من الدول (أورغواي واندونيسيا والفيليبين وروسيا والجزائر إلخ).

ومن جهةٍ أخرى، فإن الدول الآسيوية واللاتينية- الأميركية أنشأت أنظمة إقليمية للتعاون المالي. من الجانب الآسيوي، أطلقت ثماني دولٍ مبادرة شيانغ-ماي Chiang-Mai التي تقضى بإنشاء صندوق احتياط إقليميٍ بهدف استباق الهجمات المضاربة. وهذه الدول التي تعلمت من أزمات الماضي تقدمت خطوةً نحو إنشاء صندوق نقدٍ آسيوي كان مطلباً منذ العام 2000 وذلك على حساب الولايات المتحدة.

ومن الجانب اللاتيني- الأميركي، جاء التجسيد العملي لفكرة إنشاء بنك الجنوب ومهمته تمويل عملية تكامل وتطوير القارة. ففي 21 شباط 2006، عشية زيارة جورج بوش إلى أميركا اللاتينية، أعلن الرئيسان الأرجنتيني والفنزويلي إنشاء بنك الجنوب الذي أعلن كل منهما أنه سيستثمر فيه 750 مليون دولار. وأعلنت كل من البرازيل والإكوادور والباراغواي وبوليفيا انضمامهم إلى المبادرة المفتوحة أمام كل الدول اللاتينية- الأميركية. والمشروع الأول الذي ستعمل على تمويله هذه المؤسسة الجديدة هو مشروع أنبوب غاز الأرجنتين-بوليفيا القاري المنوط به ضمان أمن الطاقة في المنطقة.

 

انعكاسات العالم المتعدد الأقطاب

دفعت نتائج أزمة العام 1929 والانهيار الكبير في الثلاثينات الدول الغربية لوضع نظام للتعاون المالي الدولي، في تموز 1944، في بروتون وودزBretton Woodsٍ. وفي هذه المناسبة، تأسس صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتأمين الاستقرار النقدي وتمويل التنمية بعد الحرب. غير إنه بعد عقود من الزمن ألغي نظام بروتون وودز في العام 1971، مغرقاً من جديد العالم المالي تحت رحمة "دعه يعمل" ومحولاً بالتدريج صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى شرطي "السوق الحرة" في الدول النامية.

دعت الأزمات المالية التي نتجت عن هذا التحول إلى توقع أن الدول الصناعية قد تعود لتقبل بالتعاون المتعدد الأطراف لصالح نظام مالي عالمي جديد. ولكن شيئاً جديداً لم يحصل ما خلا بعض التغيرات اللفظية. ولهذا فمن حيث تراكم الإهمال نشأت المبادرات. وكما شرح الرئيس الأرجنتيني، نستور كرشنر Nestor Kirchner، إذا كانت الدول اللاتينية- الأميركية قد أنشأت مؤسسةً ماليةً جديدة، فهذا لأن "السياسات التي بشر بها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي شكلت عقاباً للدول التي طبقتها".

وبالتأكيد، فإنه على بنك الجنوب، كما مبادرة شيانغ-ماي، أن يؤكد كل شيء. غير إن الإيجابيات المحتملة لمثل تلك المبادرات تبدو جلية. فمن جهة، لا بد للتنافس في مجال تمويل التنمية من أن يزيد من هامش مناورة الدول المستفيدة. ومن جهة أخرى، فإن من شأن البعد المناطقي أن يقرب مراكز القرار من السياقات المحلية وبالتالي تعزيز القدرة على اتخاذ القرارات المناسبة. وأخيراً، فإن التكامل بين المناطق يسمح في الوقت عينه ببناء آليات حماية جماعية وترسيخ تنوع الاقتصادات. يبقى أنه يجب بالوقت عينه تأمين ضمانة فعالية التعاون الإقليمي، وربط هذا الأخير بالسياق المتعدد الأطراف، وتحديد المشاريع المناسبة لتحديات التنمية المستدامة. الرهان كبير، لأنه كما أكده نستور كريشنر: "إذا تحول بنك الجنوب إلى مؤسسة مشابهة لغيرها، فإنه سيشكل فشلاً جديداً للمنطقة".

17 أيار 2007

المصدر: www.risal.collectifs.netlarticle.php3?id_article=2265

ترجمة تطوعية: م. إ.