![]() |
![]() |
back to Documents |
من لا ينظر إلى البعدين الثقافي والاجتماعي للكتاب هو الناقد المدرسي
لطيف زيتوني: النقد ليس
مستحباً في المجتمعات التي بلا حرية
زيتوني: البنية وما بعدها (عباس سلمان)
اسكندر حبش - السفير
- 05/06/2012 العدد: 12199
بعد 10 سنوات على صدور كتابه «معجم مصطلحات نقد
الرواية»، يعود الناقد والباحث الأكاديمي لطيف زيتوني إلى النشر مع كتاب جديد
(منشورات مكتبة لبنان) بعنوان «الرواية العربية، البنية وتحولات السرد» ليعالج فيه،
عبر النظرية والتطبيق فكرة الانتقال من البنيوية إلى ما بعد البنيوية، ويعيد النظر
في بعض الأسس التي بنى عليها الفكر مواقفه وآراءه ونظرته، ويدعو إلى تجاوز الخرافات
التي ورثناها من كل الثوابت، أي نجده يفكك الموروث في الفكر والنقد، ليذهب إلى
عقلانية حرة يطالب بها. حول الكتاب هذا اللقاء.
تبدو مقلاًّ في إصداراتك، ليس سؤالا اتهاميا بقدر ما هو
لمعرفة عملك النقدي بشكل أوسع؟
أنا مقل فعلا، فالكتاب الذي صدر سبقه كتاب عمره 10
سنوات، أما السبب في ذلك فيعود إلى طبعي الذي يكره الكتابة الخطابية والتحليل، الذي
لا يستند إلى تبصر موضوعي موثق يحترم القارئ ويضيف إلى معلوماته فكرة جديدة. ذلك أن
الكتب النقدية كثيرة اليوم، لكن القارئ يعرف أنه إن رغب في أن يسجل بعض الأفكار
الجديدة فيها، قد لا يقع على الكثير، كما أن الموضوعات التي تثيرها هذه الكتب ليست
دائما محللة من خلال مقاربات جديدة تفاجئ القارئ أو تصدمه أحيانا، لكنها تجبره في
كل الأحيان على إعادة التفكير فيما كان يظنه يقينا وثابتا. وهذه الجرأة تتطلب
الكثير من التحضير كي لا تأتي تجرؤا محضاً.
يستدعي جوابك العديد من الأسئلة، أولاً، هل النقد عندك
هو إضافة معرفة قبل أي شيء آخر؟ وثانيا، هل ثمة اتهام ما للنقد السائد؟ كيف تجد
النقد اليوم؟
أعتقد أن هذه الإضافة التي ادعيتها تعود إلى المقاربة
التي أعتمدها في نقدي، والتي تقوم على تفكيك الموروث في الفكر والنقد. هل في هذا
«اتهام» لكتابات الآخرين؟ بالطبع. لكن ليس لكل الآخرين وإلا لكانت حركة النقد
العربي اليوم ميتة. أتكلم على الغالبية لا على القلة النخبوية من النقاد الذين
ينطلقون من خلفية ثقافية نقدية صلبة، ويقدمون هذا النتاج الذي يسمح للنقد العربي
بأن يبقى حيّا. لكن قد يكون اتهامي أيضا حاملا شيئا من التجني، لأن النقد في المطلق
ليس أمراً مستحباً في المجتمعات التي تغيب عنها الحرية، ولا أقصد الحرية السياسية
وحدها، بل الحرية في التفكير قبل التعبير، والحرية في القول العلني الحر من كل
الضغوط الاجتماعية والدينية والسياسية، وهذا الأمر لا يتوفر في كل ناقد عربي، وربما
يمتاز به نقاد بعض البلاد العربية والنقاد الذين يعيشون في الخارج. فالجو العام
الذي عبر عن نفسه في النتائج التي أفضت بها الثورات العربية يكشف أن مجال الحرية من
النقد ليس متاحا ولن يكون متاحا في المستقبل القريب.
المرجع الأجنبي
كأنك تربط هنا النقد بمشروع
اجتماعي، وهذا المشروع لم يتحقق لغاية الآن. سؤال اعتراضي، ما هو النقد اليوم إذاً
في العالم العربي؟
علينا أن نفرق بين ما يسمى النقد المدرسي، ولا أقصد
الكلاسيكي بل النقد الذي يكتب لتعليم الطلاب في الجامعات... وبين النقد الذي يتطلع
إلى إحداث تغيير في المنقود أولاً كنص مفرد، وفي النوع كرواية مثلا، وفي الثقافة
التي هي الغاية التي يتطلع إلى تطويرها كل جهد نقدي. فالناقد حين يتناول رواية مثلا
أو مجموعة من الشعر أو مسرحية، فإنه لا يكتب من أجل أن يعطي رأيه في هذا النص. هذا
الرأي الذي يعطيه يدخل حكما في مشروع فكري اجتماعي يؤمن به الكاتب. هذا المشروع ليس
ايديولوجيا بالضرورة، فلكل مثقف مشروعه الثقافي والنقدي الخاص، وهو يتطلع إلى تحقيق
هذا المشروع من خلال كتاباته كلها. أما من لا يملك مشروعا، ومن يحصر عمله في إطار
الكتاب الذي ينقده من دون النظر إلى البعد الثقافي الاجتماعي لعمله، فهو ما أريد أن
أسميه الناقد المدرسي.
في كتابك الأخير، ثمة عنوان كبير «الرواية العربية»، أحب
فعلا أن أسأل كيف تفهم كلمة الرواية العربي؟ هل ثمة خصوصية لها؟
أفهم الرواية العربية بمعنى الرواية المكتوبة باللغة
العربية، فهوية الأدب بنظري هي لغته أما إذا حاولنا أن ندخل هويات أخرى، جغرافية
مثلا، كأن نقول الرواية اللبنانية أو الرواية المصرية، فهذا لا يعني أكثر من ربط
الرواية بجنسية مؤلفها، كما أن هناك كتابا عرباً يكتبون الرواية بغير العربية،
كأمين معلوف مثلا. فتمييز الرواية العربية عن الروايات التي يكتبها عرب لا يمكن أن
يحصل إلا من خلال اللغة العربية التي نكتب بها. هل هناك خصوصية للرواية العربية؟ لا
شك في ذلك لأن كاتب الرواية لا ينطلق من فراغ، فهو ينطلق أولا من لغته ومن بيئته
ومن تجاربه في هذه البيئة ومن المناخ الاجتماعي والسياسي الذي تعيشه هذه البيئة فهو
يستخدم فضاء هذه البيئة وأماكنها ومعالمها الجغرافية، ويرسم العلاقات بين شخصياته
وفق ما هي قائمة في هذه البيئة. فلا بدّ من أن تعكس الرواية بيئتها وبقدر ما تكون
للبيئة العربية خصوصية مقارنة بالبيئات الأخرى تكون للرواية مثل هذه الخصوصية.
من هذه الخصوصية سأنطلق إلى النقد، لو حاولنا أن نرى
لوجدنا أن غالبية مراجعك أجنبية. لست ضد ذلك بالتأكيد. لكن بهذا المعنى كيف نصل إلى
خصوصية نقد عربي؟
هناك دافعان وراء هذا الاعتماد الظاهر على المراجع
الأجنبية، الأول هو طبيعة الموضوعات التي عالجها الكتاب، وهي في الغالب موضوعات
إشكالية تتطلب الاطلاع على ما أمكن من الأفكار التي طرحت بشأنها، بحيث يمكن لي أن
أقدم للقارئ صورة عما وصل إليه التفكير اليوم ثم أقدم له رأيي ونظرتي الشخصية.
الدافع الثاني هو ما سبق لك أن ذكرته عن الهوة القائمة بين ما وصلنا إليه في النقد
وما بلغه العالم المتقدم. إن الاعتماد على المراجع الأجنبية ما أمكن يردم قسما
كبيرا من هذه الهوة، ويساعد على الاقتراب من تفكير العصر، وعلى المشاركة في هذا
التفكير، عوضاً من أن نعطي آراء مبنية على طروحات تجاوزها الزمن.
يقع كتابك في قسمين، الأول نظري حيث تتطرق إلى جملة من
المفاهيم، والثاني تطبيقي. لمَ هذا «الفصل» إذا جاز القول؟
قد يكون هذا «الفصل» قائما في المنطق الذي انطلق منه
الكتاب، ففي الفصل الأول عرضت للبنيوية وما بعد البنيوية، لأصل إلى المنهج الذي
سأتبعه في هذا الكتاب، ثم طرحت عددا من القضايا الإشكالية وتناولتها انطلاقا من
المقاربة المنتمية إلى ما بعد البنيوية، أي تلك التي تفكك وتحلل لتصل لا إلى بناء
جديد، بل إلى نظرة جديدة. أما في الموضوعات التي لا تحتاج إلى تفكيك فبدا فيها
العمل أقرب إلى التحليل المنظم الذي يبحث عن بنية ممكنة.
لماذا اضطررت لإضافة «ثبت تقريبي» في نهاية الكتاب؟
قد يكون هذا الثبت التقريبي من رواسب الكتاب الماضي أي
«معجم مصطلحات نقد الرواية». لقد وضعت الكتاب السابق بعد أن شعرت، بل لمست، مقدار
التخبط الذي يقع فيه النقاد غير المتخصصين في مجال فهم المصطلح النقدي، ومعروف أن
النقد اليوم هو نقد متخصص ويعتمد مناهج علمية إلى حدّ ما، وبالتالي هناك مصطلحات
محددة لكل منهج، والجهل بهذه المصطلحات أو الفهم التقريبي لها يضر كثيرا بفهم جوهر
المنهج الذي تنتمي إليه، لهذا كان المعجم محاولة لضبط فوضى المفاهيم والتطورات
الخاطئة في مجال الكتابة النقدية، وهذا الميل إلى توظيف المفاهيم وضبطها استمر بعض
منه في هذا الكتاب، بدليل هذا الملحق بالمصطلحات الجديدة التي لم ترد في المعجم،
والتي أردت أن يفهمها القارئ بالشكل الواضح والمحدد الذي استعملتها به، لا أن يعود
إلى معانيها في قاموس اللغة التي لا تفيده بشيء. فلكل علم مصطلحاته وعلينا ألا
نتجاهل هذه المصطلحات.
أجرى الحوار: إسكندر حبش
|
ref: Latif Zeitouny