![]() |
back to Cultural salon |
الصــالون الثقــــافي في القبيات
لقاء مع الدكتور مصطفى علوش 7 آذار 2015
(مشروع) شرعة مبادئ
تيار المستقبل
حرية- تكافل- سلام- قانون
مقدمة
إن مرجعية الرئيس الشهيد رفيق الحريري في تيار المستقبل
لا تهدف الى فرض مقدس على النهج السياسي لتيارنا، ولا تسعى بأي شكل من الأشكال إلى
تسويغ مبدأ الوراثة في السياسة، ولكن هذه المرجعية هي مرجعية معنوية وفكرية
وأخلاقية وإنسانية لأن حضور وغياب رفيق الحريري في حياتنا لم يكونا حدثاً عابراً
يمكنه أن يمر دون الإستنارة بنهجه وتجربته وإرثه السياسي والإنساني.
إن رفيق الحريري وإن كان أحد رواد التحررية، فإن هذا
النهج ليس اختراعاً أو اجتهاداً من قبله، على الرغم أنه دفع حياته ثمناً لالتزامه
به. إن التحررية هي نتاج فكر وتجربة آلاف المتنورين عبر التاريخ، ويتشارك به اليوم
الملايين من حاملي الرؤى التي تهدف إلى منفعة البشرية ورقيها.
إنه فكر يتعالى عن العصبية العقائدية مع أنه لا يهمل ما
تحمله بعض العقائد من إيجابيات.
إنه فكر مرن مترفع عن العقد، قادر على التطور بناء على
الوقائع والمستجدات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية.
إنه فكر يعتبر أن "الفكر الإنساني لا يمكن أن يكون
مجرداً عن التجربة" وعن امكانية التطبيق الهادف إلى سعادة الفرد. يعني أن أية أفكار
لا تثبت قدرتها على الصمود أمام التطبيق العملي تسقط عمليا وأي إجتهاد لا يهدف الى
سعادة الفرد يصبح عبثاً فكرياً.
وأن هذا الفكر يعتبر حرية الإنسان محوراً لا أن يكون
الإنسان الفرد آداة وضحية للفكر على أساس مصطلح "مصلحة الأمة" لأن صحة الأمة
الحقيقية هي بصحة أفرادها وخيارهم الحر، فالحرية هي مسألة فردية أما ما يسمى حرية
المجموعة فلم يكن إلا أداة للسيطرة على حرية الفرد.
إنه الفكر والنهج الذي لا يستبعد ولا يصنف البشر بل يرى
في كل فرد فرادة.
لم يكن رفيق الحريري يؤمن بالثورة كهدف بحد ذاته، بل
كان يعتبرها شراً لا بد منه بعد استنفاذ كل التسويات المجدية، لأن الثورة تحت أي
عنوان تقضي على الاستقرار لفترة غير محددة وتقوم عادة بهدم السلبي مع الإيجابي،
لذلك فإن حدثت الثورة فيجب أن تسعى إلى جعل السلام والاستقرار هدفاً بحد ذاته. فإن
كان الضرر من محاولة التغيير الحاسم لبعض الوقائع كبيراً فقد يكون من الأفضل الصبر
وخلق الظروف التي تؤدي الى تجاوز هذه الأوضاع أو دفعها الى الزوال التدريجي من خلال
انتفاء الحاجة لها.
بناء على ما تقدم يقدم تيارنا هذه الرؤى كشرعة مبادئ
للفكر الذي يستند إليه في سياسة الشؤون العامة.
يرتكز هذا الفكر على أربعة عناوين مستقلة في الأساس
ولكنها مترابطة لضمان حسن ومنفعة تطبيقها هذه العناوين هي:
حرية: هي حرية الفكر والقول والعمل والمبادرة الفردية
التي لا تعتدي على حريات الغير.
تكافل: يضمن التعاون ضمن المجتمع ويعطي الفرصة للتكامل
بين المبادرات الفردية ويدعم الاستقرار.
سلام: كقيمة إنسانية بحد ذاتها تؤمن الظروف لضمان
القوانين وحرية الفرد وإمكانية الإبداع والتعاون بين البشر.
قانون: هو التعاقد الذي ينطلق من مبدأ ضمان حرية الفرد
وتنسيق التماس بين الحريات الفردية.
في الحرية
يرى تيارنا أنه قد يكون من قبيل المبالغة الشعرية القول
إن الإنسان ولد حراً، فالواقع هو أن الإنسان ولد أسيراً لواقعين حتميين عشوائيين
الأول هو تكوينه الوراثي الجيني والثاني هو الظروف المحيطة بوجوده. لكن الإنسان
يسعى منذ ولادته إلى القدر الأكبر من الحرية، وما يحققه خلال حياته ما هو إلا نتاج
لجدلية مستمرة بين المعطيات الوراثية الشخصية والظروف الطبيعية والاجتماعية
(الطبيعة والتطبع)، وعلى هذا الأساس فإن عشوائية الاحتمالات تمنع إسقاط تجربة فرد
على آخر مما يؤكد فرادة تجربة كل فرد بتفاصيلها الدقيقة، وإن كانت تشابهت أحيانا في
المنحى العام.
بالمحصلة العامة، فإن الواضح هو أن السعي الحثيث
للأفراد نحو قدر أكبر من الحرية كان أساس التقدم المضطرد للبشرية نحو النمو والرخاء
الاجتماعي وتخفيف عبأي الطبيعة والتطبع على واقع الفرد. على هذا الأساس فإن للفرد
حق في فرادته ضمن التنوع، وبالتالي حق الحياة كما يشاء لا كما يُفرض عليه، وهذا
الحق يقف دائماً أمام حدود حرية الفرد الآخر، وهذا يفرض على الفرد قبول الإختلاف
كمظهر للتنوع لا كسبب للتناحر والفرقة والنزاع.
بناء على كل ذلك فإن دور الحكم يجب أن يكون مبنياً على
تعاقد بين أفراد المجتمع أولاً، وبينهم وبين السلطة ثانياً بحيث يكون دور السلطة
خفيف الظل، أولى أولوياته "التنسيق ومنع التصادم" بين الحريات الفردية وحماية
التعددية والتنوع.
على هذا الأساس يوضع الشَرعُ والقوانين التي تسعى إلى
تأمين "السلام المستدام" وفض النزاعات دون المساس بالحقوق الفردية. إن هذا النوع من
السلطة التعاقدية يسمى "الدولة المدنية" وهي الدولة التي لا تستند إلى المقدس
لتسويغ السلطة وليست بالتالي دولة الرئيس أو الملك أو الزعيم، بل هي دولة المؤسسات
المبنية على فصل السلطات وخضوعها جميعها للقانون، كما أن السلطة تكتسب شرعيتها من
رضى الأفراد ومن التزام هذه السلطة بالقانون.
لا شك أن معنى الوجود وأهدافه كانا هاجساً أساسياً
للفرد منذ بداية تكون وعيه وتطور قدراته على الغوص في غير المنظور مما خلق أزمة
للفرد دفعته لمحاولة فهم وسبر غور المجهول ومعالجة العوائق المفروضة عليه للتخفيف
من أزمته ومن إحساسه بالضيق.
وقد قبل الفرد الإنضمام إلى وحدات إجتماعية تحد نسبياً
من حريته الشخصية في بعض النواحي على أساس انها تعطيه مجالات أرحب للعيش في حرية من
التهديد الدائم في أمنه وحياته.
كما أن ادراكه لمحدودية قدراته، دفعه أيضاً إلى التكامل
مع قدرات الآخرين مما شكل أساساً للتكافل الاجتماعي، ومن ضمن هذا الاجتماع برزت
التنافسية التي بمحصلتها النهائية (سلباً وإيجاباً) ساهمت في رقي ونمو المجتمعات
وحرية الأفراد.
إن جملة من التطورات الاجتماعية والتاريخية، أدت إلى
نشوء مجتمعات تسلطية مطلقة محت وجود الفرد فأصبح جزءاً من مجموعة كبرى في خدمة قلة
من الأفراد الذين فرضوا، وافترضوا، أن سلطتهم نابعة من الماورائيات رضي المحكوم أو
لم يرضَ، فأصبح الفرد المحكوم يخضع لمزاج الحاكم الذي لا يخضع هو نفسه لأي قانون
حقيقي.
إنه من المجحف بمكان القول بأن مبدأ الحرية هو اختراع
لفرد أو أفراد دون غيرهم، لأن هذا الميل الطبيعي لدى الإنسان نحو مزيد من الحرية،
واكتشافه محصلة فوائد هذه الحرية، دفعا أعداداً لا تحصى من المفكرين والقادة
والمتنورين والدعاة على مدى التاريخ الموثق وغير الموثق إلى اقتراح القوانين والشرع
لضمان هذه الحرية من جهة، ولمنع اصطدامها مع حريات الآخرين من جهة أخرى لضمان القدر
الأكبر من ديمومة السلام.
واليوم، ومع التنويه بالمبادئ التي انطلقت منها
المسيحية والإسلام وغيرها من الأديان، والتي وضعت في خلفيتها القوانين التي تضمن
الحرية والسلام والتكافل، فإن فلسفة الحرية القائمة اليوم تستند إلى مساهمات كبرى
في القرون الأربعة الأخيرة من الفلاسفة والباحثين والمصلحين والدعاة.
التحررية هي نهج سلوكي وليست قانوناً جامداً، وبالتالي
فإن تأثيرها يطال مروحة واسعة من الشؤون المتعلقة بالإنسان، والتالي هو على سبيل
المثال لا الحصر:
في الفرد والمجتمع
يرى تيارنا مع أن مبدأ التسامح مع الإختلاف ومع أنه
يبدو لأول وهلة كمبدأ طوباوي مثالي خاضع لمزاجية الفرد، لكن التسامح هو قاعدة
مصلحية انطلقت على أساس أنها أحد أعمدة السلام المستدام، وتطور ليصبح قاعدة قانونية
غير خاضعة للمزاجية. ويقضي ذلك أن حرية الفرد هي حق وضرورة له على المستوى الشخصي
والاجتماعي.
وتشتمل هذه الحرية على حرية الفكر والمعتقد والسلوك
الاجتماعي وحرية الإختلاف عن السائد وكسر التقليد والمبادرة، كل ذلك في ظل قوانين
تمنع اعتداء الحريات الفردية على بعضها وعدم أذية الآخرين كنتيجة لهذا السلوك.
في السياسة
يرى تيارنا بوجوب وجود تعاقد اجتماعي بين أفراد المجتمع
من جهة يجرى على أساسه التعاقد مع السلطة، من جهة أخرى.
إن أساس التعاقد هو "رعاية الحكم للحريات الفردية
والتنسيق فيما بينها" وضمان الاستقرار والسلام المستدام على أساس القوانين
التعاقدية.
وتفترض هذه القواعد بأن شرعية الحاكم تأتي من رضى
الأفراد أولاً ومن خضوعه للقوانين ثانياً. وواجب السلطة أيضاً ضمان المساواة أمام
القانون ولا حق لها التدخل في حياة الفرد الاجتماعية والشخصية والاقتصادية. وتعتبر
الانتخابات الوسيلة الأفضل للتعبير عن رأي الناس في الحاكم وسياساته وذلك لتأمين
الاستقرار في مبدأ تداول السلطات.
في الديموقراطية
يرى تيارنا بأنه هناك لغطاً واقعاً بين الديموقراطية
والتحررية، فالواقع هو أنه لا يتلازم الإثنان ولا يتناقضان بالمطلق. فالقاعدة
المشتركة هي اختيار الأفراد للحاكم، ويشكل مبدأ الإقتراع الشفاف والمتنور وغير
الخاضع لأي إكراه أو تأثيرات تضليلية نفسية أحد وجوه الديموقراطية التي تؤيدها
التحررية، لكن الديموقراطية تفترض بالأساس سلطة الأكثرية سعياً إلى تسهيل اتخاذ
القرارات العامة، ولكن لطالما جنحت الأكثريات في كثير من الأحيان إلى تقنين حقوق
الأقلية إلى حد إلغائها أحياناً، وهناك أمثلة وصلت إلى حد استباحة الحريات بشكل عام
وللجميع. لذلك فإن منطق الحرية يفترض ضمان حقوق الأقلية في التأثير على السياسة
العامة والرأي العام وعلى القرارات ذات الطابع الإستراتيجي في السياسة والاقتصاد
والاجتماع.
ومن هنا طرح مسألة النسبية في الانتخابات، والحاجة إلى
أكثرية الثلثين في القرارات الكبرى، وإنشاء مجلس شيوخ إضافة إلى مجلس النواب، وفصل
السلطات وتأمين الدعم المادي الفاعل للمعارضة لتمكينها من التعبير عن ذاتها. ويهدف
كل ذلك في الأساس إلى تأمين الإستمرارية في الحكم وتداول السلطات، والتنافسية،
وضمان الاستقرار والسلام المستدام.
في الاقتصاد
يرى تيارنا بأن مبدأ الحرية الاقتصادية والذي يدعو إلى
عدم تدخل السلطات في الأنشطة الاستثمارية للأفراد وترك السوق تنظم نفسها بنفسها
بناءً على مبدأ المنافسة الحرة والمفتوحة هو من أسس حرية الفرد والمجال الأرحب
للنمو والتقدم.
كان الهدف من ذلك هو تحرير الأفراد من تسلط الحكم على
سعيهم إلى تحسين أوضاعهم المعيشية ولكن تجربة القرن التاسع عشر في الرأسمالية أدت
إلى نشوء وحوش إقتصادية لا يوجد حد لطمعها وطموحاتها فتمكنت من فرض طغيانها في
تواطؤ أو شراكة مع السلطة السياسية على حساب حريات الأفراد حتى في مجال العمل
والاستثمار وحرمتهم أيضاً حتى من حق الحياة بالحد الأدنى من الكرامة (الشركات
الكبرى الاحتكارات، استعمال الفرد كآداة...)
وقد أدى ذلك إلى زيادة التوتر الاجتماعي والحقد الطبقي
مما ضاعف في احتمال نشوب الثورات والحروب والأزمات الاقتصادية بعد أن انتقلت سلطة
الملوك والإكليروس إلى أيدي قلة من الرأسماليين.
في ردة فعل على هذا الواقع الخطر نشأت أفكار طوباوية
توفيقية تدعو الرأسمالي إلى التخفيف من معاناة العامل والفقير من خلال الصدقة
والعطف والإحسان على أساس تراكم الحسنات والراحة النفسية للمحسن في الحياة وثوابه
بعد الموت. وقد كان لها تأثيرات هامشية على تحسين الأمور كتبت فيها الكثير من
الأدبيات العاطفية.
بالتوازي مع ذلك نشأت أفكار أكثر جذرية انطلقت من رفضها
لاستعباد الإنسان من قبل الرأسمالي، لتفترض نظاماً يلغي حرية الفرد ويضع التاريخ
الاجتماعي في خانة الصراع الأزلي بين الطبقات، وأن تطوره هو أيضاً مبني على هذا
الصراع (الماديتين الدياليكتيكية ولاحقاً التاريخية). وافترض لهذا الصراع نهاية
حاسمة وحتمية بانتصار طبقة العمال (البروليتاريا، أو المنتجون الفعليون) وتحول
العالم إلى جنة (يوتوبيا) يتساوى فيها البشر في حقوقهم وإن تفاوتوا في قدراتهم.
ونشأت أيضاً أفكار أخرى لا تؤمن بصراع الطبقات، ولكنها
تنادي بصراع الأعراق والقوميات وتفترض أيضاً حق الأقوى بالتسلط على الأضعف لأسباب
خرافية مؤيدة أحياناً بقواعد علمية ممسوخة.
بالإجمال، فإن هذه الأفكار الغت تماماً حرية الفرد في
سبيل "مصلحة الأمة" وولت على الناس زعماء أقرب إلى الآلهة مع كل ما يستتبع ذلك من
سلطة وتعسف.
وقد وضعت هذه الأنظمة سلطة إدارة وسائل الإنتاج
والاقتصاد في يد الحاكم الذي يوجهه عادة لخدمة رؤاه الشخصية.
إن هذا التحدي دفع التحررية إلى تطوير الرؤى لتتناسب من
الوقائع الجديدة في سبيل تخفيف حدة التوتر والسعي إلى السلام.
في التكافل
يرى تيارنا أن البديل النافع لتفلت حرية رأس المال
وتوحشه هو مبدأ الحرية الإيجابية، الذي يرتكز على أن حرية الفرد لا تلغي واجباته
نحو المجتمع، وأن في الأسس الإنسانية والتراحم في العلاقات منفعة عامة من خلال
التخفيف من حدة التوتر الاجتماعي.
وهذا النهج لا ينبع من نزعة طوباوية، بل من قناعة بأن
مبدأ التكافل الاجتماعي كان أساس نشوء المجتمعات، وهو الوسيلة النافعة للسعي إلى
تفادي الانفجارات الاجتماعية والسياسية.
إن في إعادة توزيع الثروات مصلحة عامة لأن تراكمها لدى
قلة من الناس يؤدي حتمياً إلى التقشف لدى الأغلبية الساحقة من الناس مما يعني تدني
الاستهلاك، وبالتالي ضمور النمو مما يزيد في التوتر الاجتماعي وبالمحصلة فإن مصالح
الرأسمال تصبح أيضاً في خطر .
لذلك فمن الواجب قوننة التكافل الاجتماعي من خلال
الضمان الصحي وضمان الشيخوخة والرعاية الاجتماعية والتعليم المجاني والتأهيل
المهني، والزيادات المدروسة للأجور. وكلها إجراءات تهدف إلى التخفيف من حدة الفوارق
الاجتماعية في سبيل تأمين السلام المستدام الذي هو بحد ذاته ضرورة للرأسمالي
للاستثمار المجدي.
لقد أثبتت الدراسات أن شمولية الاقتصاد لكافة أفراد
المجتمع هي السبيل الأفضل لدفع النمو قدماً ولتعميم الرفاه الاجتماعي ودعم
الاستقرار والسلام، أما الاقتصاد الاستخراجي الذي تستفيد منه قلة من الناس فهو ما
يؤدي عادة إلى تدهور الأوضاع وزيادة التوتر الاجتماعي.
إن انتهاج مبدأ التكافل الاجتماعي يستدعي تدخل القوانين
في الحد من الحرية المطلقة للرأسمال من خلال فرض الضرائب وردع الاحتكار مع مراعات
قواعد الملكية الفكرية، ويقتضي أيضاً إيجاد التشريعات الممكنة لضبط المغامرات
الاقتصادية العالية الخطورة مع العلم أن احتمال الأحداث المفاجئة يبقى قائماً في
عالم الاقتصاد على الرغم من كل محاولات الحد من الخضات الكبرى.
إن الأساس في مبدأ التكافل هو أن لا يدفع أفراد المجتمع
إلى الاتكالية وعدم السعي إلى تطوير الذات بدافع التسليم بالواقع وذلك من خلال
التأكيد العملي على فوائد الجهد الإضافي، ولا أن تؤدي بعض إجراءات السلطة ذات
الأبعاد الانتخابية والشعبوية إلى ضرب التوازن الدقيق بين التكافل الاجتماعي وحرية
المبادرة ومجالات الربح لأن الاثنان سيؤديان حتماً إلى انهيار الاستقرار وتعريض
السلام إلى الاهتزاز.
في عالمية التحررية
يرى تيارنا أن إنشاء الأمم المتحدة هو أحد العلامات
المضيئة على طريق تعميم التحررية، كما أن وضع شرعة حقوق الإنسان كقيمة عالمية عابرة
للحدود والمجتمعات تعتبر مسألة مفصلية في حسم أفضلية حقوق الفرد العامة وعالميتها
في مواجهة واقع سحق هذه الحقوق من خلال التعسكر وراء السيادة الوطنية.
أما التطور الآخر فقد كان في تأكيد أصحاب هذا الفكر على
كونه عابراً للمجتمعات وأنه لم يعد حكراً على إتنية أو لون أو جنس دون آخر ضمن نفس
المجتمع. وقد كانت إحدى أهم المحطات الحاسمة هي حركة تحرير المرأة ومساواتها التي
كان لها انتصارات واسعة في النصف الثاني من القرن الماضي والواقع اليوم هو أنه لا
يمكن إدعاء انتهاج مبادىء التحررية إلا في ظل الدفع الدائم نحو اعتماد المزيد من
المساوات بين المرأة والرجل.
في عقائدية التحررية
(الراديكاليون)
يرى تيارنا أن فلسفة الحرية تفترض التسامح وقبول
التعددية وإمكانية التعايش والحوار مع أكثر الأفكار اختلافاً، ولكن الكثير من حاملي
هذا الفكر انقلبوا على ذاتهم فبعض سلوكهم سعى إلى إلغاء الآخر، أو فرض رؤاهم بمختلف
وسائل الإكراه، وقد تستعمل حتى بعض تلاوين القوة اللطيفة لفرض هذه الرؤى. وهذا
النهج المنقلب على ذاته يضم بعضاً من مختلف تلاوين الفكر الحر من كلاسيكية إلى
اجتماعية إلى مستحدثة لدرجة أنه يمكن نعتها بالليبرالية العنصرية! والعنصر هنا يضم
من يعتقدون بنهائية أفكارهم وانتصارها الحتمي الى درجة افتراض نهاية التاريخ بعد
هذا الانتصار.
وقد خلق هذا النهج نوعاً من التعالي وفي أحسن الأحوال
شرخاً اجتماعياً وفكرياً مع عموم الناس مما منع فكر الحرية من الانتشار مع كل
محاسنه. وقد سهل ذلك أيضاً على استهدافه ووضعه في موقع الشر المطلق من قبل أصحاب
الأفكار المضادة.
لقد أدى ذلك إلى انطواء هذا النهج والفكر ضمن مجموعات
من النخب، لا ترابط حتى فيما بينهما في كثير من الأحيان، لأسباب شتى ومتهمة بالكفر
والإلحاد وانعدام الشعور الوطني والإنحلال والغربة عن الواقع والعجرفة وبعض الأحيان
الجنون.
بالنسبة للعالم العربي بالإجمال فإن الأفكار الحرة
منتشرة بشكل كبير بين أفراده، ولو عدنا إلى أصول الدين الإسلامي، لتأكدنا من عدم
تعارضه مع المبادئ الأساسية في فلسفة الحرية، ولكن إصرار معظم حاملي هذا الفكر على
أنهم "المتنورون" الوحيدون و"العقلاء" الوحيدون، وازدراءهم بالمعتقدات والموروثات
والتقاليد إلى درجة الإستعداء، وعدم قدرتهم على مخاطبة الناس بلغة مبسطة تتناسب مع
ثقافة العامة، إضافة إلى التنافس والتنابذ الحاد القائم بين أقطاب هذا الفكر، أبقى
هذا الفكر في عزلة وضعف على الرغم من جاذبيته.
لذلك فمن الضروري اليوم تبسيط شرح هذا الفكر وبالتالي
إيصاله بشكل هادئ دون معاداة لا طائل منها مع الموروثات، وبنفس الوقت دون ممارسة
للتقية التي قد توقع ممارسيها في منطق النفاق المكشوف.
في التربية والتعليم
يرى تيارنا أن التربية على تقبل الآخر المختلف تبدأ في
البيت من خلال تعامل الوالدين مع الأبناء وانفتاحهم على النقاش الحر وإفساح المجال
الرحب أمام الأبناء للتعبيرعن أفكارهم وآمالهم ومحاورتهم بتسامح ودون إفراط في
السلطة.
ولكن هذا النهج لا يعني بأي حال من الأحوال التحلل من
كل الضوابط الاجتماعية اللطيفة ومحاولة التوجيه الإيجابي نحو مبادئ التسامح
والتكافل والصدق والاستقامة وعدم أذية الآخر.
يجب أن يشمل هذا النهج أيضاً التعليم ومن ضمنه عدم
الإصرار على توحيد المناهج إلا بالحد بالأدنى المطلوب أكاديمياً، وفتح الباب أمام
الاجتهاد والإبداع في هذا المجال مع حق الأفراد بالحصول على أفضل الوسائل
والمستويات التعليمية.
إن مبدأ الحرية يجب أن يكون الحاكم الأول لمسألة البحث
العلمي والإبداعي والفني والثقافي، مع الالتزام بقواعد حقوق الإنسان المتعارف
عليها. إن هذا يقتضي الحرية في نقد التقليد وتحدي الثوابت وافتراض أن الحقائق لا
يمكن أن تكون مطلقة، ولكنها قد تصمد بناءً على التجربة لفترة غير محددة من الزمن.
قد يدفع هذا القول إلى الاستنتاج بأن هذا النهج قد يؤدي
إلى انطلاق أفكار ومناهج سلبية وهدامة، ولكن التجربة أكدت أن السماح لهذه الأفكار
والمناهج بالظهور إلى العلن منذ البداية سيجبرها على التنافس مع الأفكار الأخرى
وبالتالي الحد من إمكانية انتشارها في السر الذي يؤدي إلى الإفراط في تطرفها.
في القومية
يرى تيارنا على أنه على الرغم من كل المحاولات الحثيثة
من اجتماعية وفلسفية واقتصادية وعلمية لتسويغ الفكر القومي، فإن هذه المحاولات بقيت
دون أسس ثابتة ومقنعة. وقد كانت معظم الطروحات القومية تستند إلى مصطلحات غامضة
وردات فعل على أحداث معينة وأساطير شعبية. بالمحصلة فإن بعض الطروحات وصلت إلى حدود
العنصرية القاتلة واستندت في كثير من الأحيان على مبدأ العداء للآخر والمحافظة على
الذات (التراثية والعرقية واللغة والدين والمصالح....). كما أن معظم هذه الطروحات
لهشاشتها الفكرية اندفعت نحو إلغاء حرية الفرد على مختلف المستويات وذلك لمنع
النقاش والتشكيك، وإلغاء المبادرة الفردية والإبداع الحر، وجعل المجتمع كله في خدمة
الفكرة التي يمثلها عادة زعيم ملهم أو خالد أو عبقري...
إن هذه الأفكار أدت دائماً إلى انهيار أسس السلام
والتفاهم، والتاريخ الحديث رزح تحت تسلط هذه الأفكار بشكل مأسوي.
لا تتعارض فلسفة الحرية مع بعض الأفكار اللطيفة للقومية
بما يتعلق بالثقافة والتعاون الإقليمي والتخفيف من التوتر، وقد يكون للإحساس الوطني
غير المبالغ فيه مسوغات تدفع لدعم مبدأ التكافل الاجتماعي والمحافظة على القانون
والدستور والصالح العالم، ولكن لا يجب أن يكون ذلك في أي وقت من الأوقات دافعاً
للعداوة والتعصب ومناهضة الغرباء أو في الحد من حرية الفرد.
لا تزال في هذا المجال الكثير من الإشكاليات المتعلقة
بالهجرة غير الشرعية والتعامل مع الأجانب وما تشكله من توترات مزمنة حتى ضمن
المجتمعات العريقة في الحرية، ومن هنا فإن السعي لتعميم السلام والرفاه عبر الأمم
والشعوب وتأمين الظروف التي تحد من الهجرات العشوائية من خلال تنمية المجتمعات
الأكثر فقراً قد يساهم في الحد من تداعيات هذه المشكلة خاصة بعد أن أصبح هذا
الموضوع سبباً لتفشي الأفكار والأحزاب العنصرية القومية والمعادية للغرباء في قلب
الدول التي تنتهج الحرية.
في الدين
يرى تيارنا أن التحررية انطلقت أساساً من فكرة التسامح
بين الأديان لذلك فإنه من المخطئ الاستنتاج بأن هذه الفلسفة هي معادية للأديان بشكل
عام، ولا مانع لمن ينتهج هذا الفكر من أن يكون ملحداً أو علمانياً أو شديد الإيمان،
ولكن المطلوب هو قبول التنوع دون منة على أساس أنه حق للإنسان.
ومع الإقرار بأن الإيمان بالإجمال قد يكون أحد أركان
التوازن الشخصي والاجتماعي، ولكن الإشكال يقع عندما يصبح الاعتقاد الإيماني نوعاً
من الانتماء إلى مجموعة محددة من البشر لا يشعر بالأمان إلا ضمنها على أساس التعسكر
في مواجهة المجموعات الأخرى. إن هذا النوع من الإيمان قد أدى تاريخياً، ولا زال،
إلى كوارث ودمار ورعب وفظائع، بعد أن أصبح التعصب الأعمى وكراهية الآخر المختلف
عنواناً للتعسكر ضمن المجموعات الإيمانية.
إن تجربة معظم الأديان تحولت إلى مشاريع إمبراطورية
ضربت في صلب حتى المبادئ السامية التي انطلقت منها بالأساس. لقد تمكنت الإنسانية من
أن تطور خياراً جامعاً للناس مهما تعددوا، وهو شرعة حقوق الإنسان الموثقة في الأمم
المتحدة.
أما الإحسان والتكافل الاجتماعي فقد تطور إلى قوانين
توزيع الثروات من خلال الضرائب والرعاية الاجتماعية مما قد يمكن الإنسانية من تخطي
التنافس بين الأديان وبالتالي إمكانية النزاع بينها.
في السلام المستدام
يرى تيارنا أن مبدأ السلام المستدام يستحق أن يكون
هدفاً قائماً بحد ذاته، فبالسلام يمكن المحافظة على الحرية والمحافظة على القوانين
وجعل مبدأ التكافل الاجتماعي مجدياً.
إن الإفساح بالمجال لحوار الحضارات والثقافات يقتضي
بالأساس فسحة من الاستقرار والسلام المستدام مما يستدعي إجراءات استثنائية يمكن
حياكتها على قياس كل حالة بحد ذاتها ومن الجائز القول اليوم أن بعض النظم
الفيدرالية والتمييز الإيجابي المؤقت تجاه الأقليات ضرورة للعبور الى المساوات
الكاملة بعد الزوال المتدرج لمسوغات التمييز.
في الحضارة والثقافة
يرى تيارنا بعين من القلق طرح مبدأ "صراع الحضارات"
كبديل عن الحرب الباردة والذي يفهم منه حتمية الصراع ونشوء نوع من "العنصرية
الثقافية"، مع الإيحاء بتقديس ثقافة الغرب، وشيطنة ثقافة الشرق على أساس أنها "غير
قادرة على قبول التعددية".
لا شك أن هذه الأفكار لاقت رواجاً كبيراً بُعيد تفجير
برجي التجارة العالمية، وذلك تحت هول حجم الحدث والصدمة العاطفية التي أحدثها، وبين
غرب حزين ومصدوم بالإجمال وشرق إسلامي شامت ومحتفل، كما أن بروز التطرف الإسلامي
ووحشية ممارساته قد شكل دعماً لهذه الأفكار. ولكن مبدأ حتمية الصراع الدموي بين
الحضارات يناقض في الأساس مبادئ التحررية المبنية على "التسامح" والسعي إلى "السلام
المستدام".
إن فكرة صدام الحضارات الدموي لا يمكن أن تكون منطلقة
من أي لون من تلاوين الفكر التحرري، لأن التجارب التاريخية تؤكد على حتمية الحوار
الجدلي بين الحضارات، والذي يؤدي، مع الوقت، ودون فرض أي ضوابط، إلى تسويات غير
مبرمجة، قد تطغى على تلك التسويات الثقافات الأغنى بمقومات "القوة الناعمة"، ولكنها
بالمحصلة ستتأثر بروحيات الثقافات الأخرى مهما بدت ضعيفة بالمقارنة معها. الواقع هو
أنه في ظل التقدم الصاروخي التقني في إمكانية التواصل بين الشعوب والحضارات
والثقافات، فإن العالم سيصل عاجلاً أم آجلاً إلى "ثقافة ينوعها الأفراد لا
المجتمعات".
وإن كانت اللغة إحدى سمات الحضارات والثقافات الأساسية،
فيكفي مراجعة اندماج التعابير والكلمات بين أكثر اللغات تباعداً بعد تواصل حامليها
السلمي لفترة من الزمن (بين العربية واللاتينية مثلاً) وضمور عدد اللغات المحكية في
العالم باتجاه لغاة أساسية جامعة وقابلة لإرساء التفاهم والتواصل والمصالح المشتركة
وبالتالي "السلام المستدام".
في المساواة
أن هذا الشعار كان أحد أركان المبادئ التي رفعتها
الثورة الفرنسية، وهي أحد أهم الأحداث التي أثرت على مجرى المجتمع الإنساني في
العصر الحديث. ومع جاذبية فكرة المساواة يرى تيارنا أن هذا الشعار مغرق في الشاعرية
وبعيد عن الواقع. المؤكد هو أن عدم المساواة هو الأساس وذلك لتحكم واقعين عشوائيين
بمصير الأفراد هما العامل الوراثي الجيني من جهة وتفاعله مع الظروف الطبيعية
والاجتماعية من جهة أخرى، لذلك فلا يمكن الافترض أن الأفراد ينطلقون جميعا من نفس
نقطة الصفر ولا حتى يتسابقون على نفس المضمار وهذا ما يجعل التنافس بعيداً كل البعد
عن العدالة. إن هذا يعني أن التساوي في حجم الجهد لا يِؤدي بالضرورة الى التساوي في
المكافأة.
ولكن التجربة على مدى التاريخ تؤكد على أن السعي الى
الأفضل كان بالإجمال يمنح الأفراد الفرصة الأكثر احتمالا لتحسين أوضاعهم. وفي وسط
كل ذلك يأتي مبدأ التكافل ليساهم في التخفيف من حدة الفروقات وبالتالي تحسين الفرص
للأفراد للتمكين من المنافسة، مما يساهم في تخفيف التوتر الاجتماعي النابع من عدم
المساواة.
إن هذا السعي يستوجب العمل أيضا لتمكين المرأة على
مختلف الأصعدة من اقتصادية واجتماعية وسياسية. إن هذه القضية يجب أن تكون أولوية
اجتماعية ونضالية يشارك فيها الرجال والنساء سوية.
في القانون
يرى تيارنا أن القانون في التحررية ينطلق
أساساً من مبدأ حماية حرية الفرد والتنسيق بين حريات الأفراد لمنع تصادمها أو الحد
من مفاعيل تصادمها في حال حصل. هذا القانون هو مبني على تعاقد اجتماعي بين الأفراد
وبينهم وبين السلطة من جهة أخرى.
إن هذه السلطة مرهونة برضى الأفراد (الانتخابات مثلاً)،
وشرعيتها تنبع من ذلك بالإضافة الى تطبيقها للقوانين التعاقدية وخضوعها لها، يعني
أن السلطة غير محصنة من المساءلة.
إن القانون في التحررية يكون المرجع الوحيد لفض
النزاعات، فتصبح الدولة عندها دولة القانون التي تنتفي فيها الحاجة الى المرجعيات
الشخصية والزعامات على مختلف أنواعها ويصبح القانون مرجعية الجميع.
خاتمة
إن شرعة مبادئ تيار المستقبل ترتكز على أربعة عناوين
تنطلق من مبدأ الحرية وتتفاعل ذهاباً وإياباً مع السلام المستدام والتكافل
الاجتماعي في ظل دولة القانون. إن هذه المبادئ وإن بدت متكاملة ولكنها لا تدعي
الكمال، بل إنها نهج وفكر وسعي دائم فيه من المرونة والانفتاح والواقعية والتجريبية
القدر الكافي للتطوير الذاتي لمواجهة احتمالات التطور الطبيعي للبشرية وحتى التحسب
لاحتمالات ما يحدث خارج إطار التطور العادي.
إن هذا الفكر وإن كانت له رؤيا في التاريخ ونظرة على
المستقبل ولكنه لا يدعي بأي حال من الأحوال استحواذه الحتمي أو اليقيني على أي
منهما.
إن قوة هذا الفكر هي قبول الآخر والتسامح والانفتاح على
التطور والسعي الدائم للسلام تحت مظلة القوانين التي تضع حرية الإنسان في الأولوية.
إن لبنان بتركيبته وتعدده قد يكون من أكثر البلدان حاجة
لاعتناق هذا الفكر وتطبيقه في السياسة والاقتصاد والتربية والتعليم والاجتماع.
د. مصطفى علوش
===========================================
علوش : الحريري دفع حياته ثمنا لالتزامه التحرري
الإثنين 09 آذار 2015
وطنية - استضاف "الصالون الثقافي" النائب السابق الدكتور مصطفى علوش، في ندوة حوارية اقيمت في قاعة مطعم المونتفيردي في القبيات بحضور منسق تيار المستقبل في عكار المحامي خالد طه وحشد من المثقفين واصدقاء الصالون الثقافي.
افتتح اللقاء الدكتور أنطوان ضاهر مرحبا بالحضور ومؤكدا على اهمية تنمية ثقافة الحوار في مجتمعاتنا . ثم تحدث الدكتور جوزف عبدالله مستعرضا طبيعة مشروع "الصالون الثقافي" بوصفه فضاء تواصل وحوار بين مكونات الشعب العكاري حول شتى قضايا الأمة والوطن وعكار. ثم القى الدكتور حبيب الشيخ كلمة قدم فيها المحاضر علوش مشددا على مناقبيته المهنية والأخلاقية وتجربته الفكرية والسياسية.
وتحدث الدكتور علوش تحت عنوان (مشروع) شرعة مبادىء تيار المستقبل حرية- تكافل- سلام- قانون، وقال :"ان شرعة المبادىء هي: ان هذه الوثيقة المشروع "شرعة لتيار المستقبل" قد أعدها لتتم مناقشتها داخل التيار مع تمنياته بتحولها الى وثيقة رسمية للتيار".
اضاف:"إن مرجعية الرئيس الشهيد رفيق الحريري في تيار المستقبل لا تهدف الى فرض مقدس على النهج السياسي لتيارنا، ولا تسعى بأي شكل من الأشكال إلى تسويغ مبدأ الوراثة في السياسة، ولكن هذه المرجعية هي مرجعية معنوية وفكرية وأخلاقية وإنسانية لأن حضور وغياب رفيق الحريري في حياتنا لم يكونا حدثا عابرا يمكنه أن يمر دون الإستنارة بنهجه وتجربته وإرثه السياسي والإنساني. وإن رفيق الحريري وإن كان أحد رواد التحررية، فإن هذا النهج ليس اختراعاً أو اجتهاداً من قبله، على الرغم أنه دفع حياته ثمنا لالتزامه به. إن التحررية هي نتاج فكر وتجربة آلاف المتنورين عبر التاريخ، ويتشارك به اليوم الملايين من حاملي الرؤى التي تهدف إلى منفعة البشرية ورقيها. إنه فكر يتعالى عن العصبية العقائدية مع أنه لا يهمل ما تحمله بعض العقائد من إيجابيات. إنه فكر مرن مترفع عن العقد، قادر على التطور بناء على الوقائع والمستجدات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية. إنه فكر يعتبر أن "الفكر الإنساني لا يمكن أن يكون مجردا عن التجربة" وعن امكانية التطبيق الهادف إلى سعادة الفرد. يعني أن أية أفكار لا تثبت قدرتها على الصمود أمام التطبيق العملي تسقط عمليا وأي إجتهاد لا يهدف الى سعادة الفرد يصبح عبثا فكريا".
اضاف علوش :"أن هذا الفكر يعتبر حرية الإنسان محورا لا أن يكون الإنسان الفرد آداة وضحية للفكر على أساس مصطلح "مصلحة الأمة" لأن صحة الأمة الحقيقية هي بصحة أفرادها وخيارهم الحر، فالحرية هي مسألة فردية أما ما يسمى حرية المجموعة فلم يكن إلا أداة للسيطرة على حرية الفرد. إنه الفكر والنهج الذي لا يستبعد ولا يصنف البشر بل يرى في كل فرد فرادة.
ولفت علوش الى "ان رفيق الحريري لم يكن يؤمن بالثورة كهدف بحد ذاته، بل كان يعتبرها شرا لا بد منه بعد استنفاذ كل التسويات المجدية، لأن الثورة تحت أي عنوان تقضي على الاستقرار لفترة غير محددة وتقوم عادة بهدم السلبي مع الإيجابي، لذلك فإن حدثت الثورة فيجب أن تسعى إلى جعل السلام والاستقرار هدفا بحد ذاته. فإن كان الضرر من محاولة التغيير الحاسم لبعض الوقائع كبيرا فقد يكون من الأفضل الصبر وخلق الظروف التي تؤدي الى تجاوز هذه الأوضاع أو دفعها الى الزوال التدريجي من خلال انتفاء الحاجة لها".
وتابع :"بناء على ما تقدم يقدم
تيارنا هذه الرؤى كشرعة مبادئ للفكر الذي يستند إليه في سياسة الشؤون العامة.
ويرتكز هذا الفكر على أربعة عناوين مستقلة في الأساس ولكنها مترابطة لضمان حسن
ومنفعة تطبيقها هذه العناوين هي:
حرية: هي حرية الفكر والقول والعمل والمبادرة الفردية
التي لا تعتدي على حريات الغير.
تكافل: يضمن التعاون ضمن المجتمع ويعطي الفرصة للتكامل
بين المبادرات الفردية ويدعم الاستقرار.
سلام: كقيمة إنسانية بحد ذاتها تؤمن الظروف لضمان
القوانين وحرية الفرد وإمكانية الإبداع والتعاون بين البشر.
قانون: هو التعاقد الذي ينطلق من مبدأ ضمان حرية الفرد
وتنسيق التماس بين الحريات الفردية".
واكد علوش على الحرية الاقتصادية، لافتا الى "ان تجربة القرن التاسع عشر في الرأسمالية أدت إلى نشوء وحوش إقتصادية لا يوجد حد لطمعها وطموحاتها فتمكنت من فرض طغيانها في تواطؤ أو شراكة مع السلطة السياسية على حساب حريات الأفراد حتى في مجال العمل والاستثمار وحرمتهم أيضا حتى من حق الحياة بالحد الأدنى من الكرامة (الشركات الكبرى الاحتكارات، استعمال الفرد كآداة) وقد أدى ذلك إلى زيادة التوتر الاجتماعي والحقد الطبقي مما ضاعف في احتمال نشوب الثورات والحروب والأزمات الاقتصادية بعد أن انتقلت سلطة الملوك والإكليروس إلى أيدي قلة من الرأسماليين".
ودعا إلى مبدأ التكافل الذي من
الواجب قوننة التكافل الاجتماعي من خلال الضمان الصحي وضمان الشيخوخة والرعاية
الاجتماعية والتعليم المجاني والتأهيل المهني، والزيادات المدروسة للأجور.ثم كان
نقاش و حوار مع الحضور.
============================أ.أ.
![]() |
back to Cultural salon |