![]() |
back to Kobayat's Cultural Salon |
الأمين جبران عريجي في ندوة للصالون الثقافي بعنوان: لبنان إلى أين؟
استضاف الصالون الثقافي في القبيات، ضمن إطار لقاءاته
الشهرية، الرئيس السابق للحزب السوري القومي الاجتماعي الأمين جبران عريجي في ندوة
بعنوان "لبنان إلى أين؟". لم يستفض الأمين عريجي في تناول الوضع اللبناني، لأن ذلك
التناول جاء في سياق من التشديد على الوضع الدولي، متكئاً على شرح آخر المستجدات في
مفاوضات فيينا الدائرة حول الوضع السوري، والتي تستهدف إعادة صياغة النظام
الإقليمي، ليخلص إلى التحذير من انبعاث كيانات اجتماعية ثقافية، تستند إلى
الانتماءات الطائفية، ما يجعل من الحدود الجغرافية لسايكس – بيكو أخفّ وطأة، فيما
لو انتهت الأمور إلى ترسيخ هويات كيانية سوف تكون أشد خطراً من تعديل الحدود
الجغرافية للدول - الكيانات.
في تبريره للاستفاضة في الكلام عن الوضع الدولي، فالوضع
الإقليمي، قبل الولوج إلى ساحة لبنان الداخلية، ذكّر الأمين جبران عريجي بتزامن
الحرب على العراق مع سقوط جدار برلين بوصفه آخر معلم يدلّ على انقسام أوروبا
والعالم بين الكتلتين الشرقين والغربية، بل بوصفه دليلاً أيضاً على تسيّد الولايات
المتحدة الأميركية على نظام دولي جديد خالٍ حتى من كبار حلفائها التقليديين في
المعسكر الغربي.
لا ينظر عريجي إلى ظاهر مفاوضات فيينا الأخيرة، المتمثل
بمناقشة سبل معالجة الأزمة السورية، إنما يعتبرها محطة بارزة في إعادة رسم حدود
التوازنات الدولية، مستشهداً بما قاله الرئيس الأميركي باراك أوباما "إن روسيا تمثل
دولة إقليمية عظمى"، وبالرد الذي قدمّه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "إن روسيا هي
قوة دولية عظمى". وبالتالي فإن الدخول الروسي المباشر على خط النزاع العسكري في
سوريا، هو بمثابة إعلان روسي عن تشكيل ميزان قوى جديد يجسد بدء تشكل النظام العالمي
الجديد، وتناقش في ضوئه إعادة خرائط القوة وحدود النفوذ في المنطقة التي تتمّ على
أساسها مقاربة الأزمة السورية، وسائر الساحات المتفجرة في المنطقة، حيث عبّر عن
خشيته من إمكان حدوث المزيد من جولات العنف قبل تبلور خطوط التوازنات المستجدة.
في مقاربته للقوى المحلية المنخرطة في الصراعات، سعى
الأمين عريجي إلى اختيار مصطلحاته بعناية، متعمداً الوفاء، من ناحية، لمنطلقاته
الفكرية بوصفه قومياً اجتماعياً مخضرماً، عاصر حقبة النهوض القومي في سبيعينات
القرن الماضي، ثم ما تلاها من تراجعات دراماتيكية على مستوى الأحزاب العقائدية
كافة، ومن ناحية أخرى حاول تناول أدوات الصراع والقوى الطائفية المنغمسة فيه،
مستخدماً لغة سياسية "واقعية"، بمفرداتها الدينية والطائفية، رغم تأكيده أن الصراع
هو صراع مصالح، وإن تغلف بأطر مذهبية، كتعبير مرحلي عن المواجهة بين ثقافة النهضة
والتحرر بوجه ثقافة التخلف والتبعية.
يرى عريجي أنه لا زال باكراً الحديث عن تغير خرائط الشرق
الأوسط التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو، لكن الخشية من "سايكس -بيكو اجتماعي جديد
ضمن حدود سايكس بيكو القديم"، قائلاً "إذا سقطت العروبة بمعناها الحضاري، وسقطت
الدولة الوطنية، البديل سنّة وشيعة ودروز وكاثوليك.."، واعتبر أنه من غير الصحيح أن
الأقليات بطبيعتها مرتبطة بالخارج كما يشاع، وشدد على أن كون المسلمين السنّة هم
الأكثرية في العالم العربي، فإن ذلك يرتب عليهم دوراً بالغ الأهمية في احتضان
الأقليات في المنطقة. لذلك فإن جزءاً كبيراً من أزمة المنطقة يكمن في "الاعتلال"
الديني، وبخاصة الاعتلال السنّي، مذكراً بأن الاعتلال المسيحي في أوروبا أنتج
الفاشية، وأن الأديان كلها تبتلى بأمراض، مستنداً إلى ما عبّر عنه الفيلسوف الفرنسي
فولتير من ابتلاء المسيحية بالتعصب. ودرءاً لسوء فهم محتمل نتيجة استخدامه مصطلحات
الطوائف والمذاهب، سارع إلى التأكيد على بديهيات منطلقاته القومية الاجتماعية في
مقاربة المسائل الدينية الطائفية والمذهبية، معولاً على "نخبوية الحاضرين في هذه
الندوة الفكرية"، فقدم عرضاً تاريخياً، استعرض فيه كيفية انزلاق الطائفة في لبنان،
وتحولها إلى مكون اجتماعي، يدعي دور الطائفة القائدة للمجتمع. وهذا كان حال
الموارنة الذين أمسكوا بزمام الأمور، فقدموا أنفسهم الطائفة القائدة في السلطة وفي
الثقافة والاقتصاد، إلى أن توّجوا البطريركية المارونية باعتبارها "المرجعية
الوطنية". هذا الدور المزعوم والمعتبر معطى أزلياً، فات الموارنة أنه زال بحكم تبدل
موازين القوى، الأمر الذي أنتج الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، فخسروا الحرب،
لتسفر عن بروز مولود جديد اسمه السنّية السياسية.
حاولت السنّية السياسية أن تحذو حذو المارونية السياسية
عبر تطبيق ملتبس لاتفاق الطائف، يمكّن القيادة السنّية من السيطرة على مقاليد
الأمور، والامتناع لاحقاً عن تطبيق مندرجات الطائف، فنتج من ذلك بروز التيار الوطني
الحر الذي رفع شعار التغيير والإصلاح كإطار لاستعادة حقوق كان يتمتع بها المسيحيون.
برغم تأكيده على علمنة المجتمع ومدنيته، يرى عريجي أن
الإسلام السياسي ليس خطراً بحد ذاته، إنما في الدور الذي يضطلع به، فعندما كان
الإطار السنّي الواسع حاصناً لفكرة العروبة وتحرير فلسطين مثّل بيئة جامعة انضوت في
سياقها قوى قومية ويسارية، بينما عندما أصبح هذا الإطار غاية بحد ذاته اختلطت
الأمور وتبدلت، فانتقل سمير جعجع على سبيل المثال من موقع الخائن بنظر الأغلبية
الساحقة من السنّة إلى موقع البطل والقائد.
من هنا، ورغم تأكيده أيضاً على عدم تفضيله لطائفة على
أخرى، باعتبار أن الطوائف جميعها، مكونات تستمد قوتها من مرجعيات دولية وإقليمية،
فإن الطائفة الشيعية حالياً، (كما الطائفة السنّية سابقاً)، باضطلاعها بمهام التصدي
ومقاومة العدوان الإسرائيلي، وطالما هي مستمرة بلعب هذا الدور، باستطاعتها أن تشكل
رافعة لتجاوز الانقسامات الطائفية، لدرجة أن حزب الله بات مؤيداً للديمقراطية
التوافقية. علماً، يضيف الأمين عريجي أن الحزب السوري القومي الاجتماعي يتحفظ على
هذا المنطق، ويعتبر أن الدين مسألة خيار فردي، ويرفض اعتبار الطوائف مكونات
مجتمعية، إنما المكون المجتمعي القابل للحياة هو المتحدات الاجتماعية، مثل سوريا
الكبرى أو العروبة، باعتبارهما خيارات تتوقف على إرادة مواطنين أحرار كما يقول
الزعيم أنطون سعادة. وبالتالي فإن اختصاص الطائفية الشيعية بالمقاومة، وبرغم سعيها
لاحتضان سائر مكونات وتشكيلات المقاومة، لم تستطع التفلت من مواجهات اتخذت طابعاً
مذهبياً، جعلها في موقع غير القادر على التقدم ولا على التراجع.
ورداً على سؤال لبنان إلى أين؟ موضوع الندوة، رأى عريجي
أن لبنان لا يملك أي تصور لصياغة تسوية تاريخية في الفترة الراهنة، وأن استقراره
ليس صناعة محلية. فبالأصل كانت المجتمعات المحيطة تشهد استقراراً عبر تنفيس أزماتها
فيه، فكان لبنان ساحة للمتحاربين، أما الآن فإن الاستقرار الهش في لبنان يعود
لعوامل عدة أبرزها: تفجر الساحات العربية وحاجة بعض القوى لمساحة يستقر فيها
"خمسمئة أو ستمئة جاسوس لإدارة حروب المنطقة". وحضور حزب الله بما يملك من قدرات
جعلته في موقع القادر على أن يبني مع العدو الإسرائيلي "استراتيجية الاستقرار
الردعي".
وأضاف، إن هذا الاستقرار برغم هشاشته، تتعامل معه الطبقة
السياسية بخفة، فتستغله وتستثمر فيه، لجهة استشراء الفساد، وتجديد النواب لأنفسهم،
والتعامل مع الحوار الوطني بديماغوجية قد تطيح به، داعياً إلى فتح آفاق جديدة للوضع
المقفل، عبر إقرار قانون انتخاب على أساس النسبية، ذلك أن كل المجتمعات عندما تواجه
المصير المقفل، تعود إلى الأساس، إلى منبت تشكل السلطة.
وختم بالحديث عن الحراك المدني، معبراً عن انحيازه
الكامل له، فهذا الحراك "استعاد حس المواطنة، وكحزب علماني نسعد عندما نرى جمهوراً
عابراً للطوائف"، فهو لا يشكل أي خطر لأنه غير طائفي، فالخطر يكمن في الوحش
الطائفي. لكن من المفيد أن يحدد أهدافه وأولوياته، كأن يرفع شعار الانتخابات على
أساس النسبية.
ثم أجاب على مداخلات وأسئلة المشاركين في الندوة، لا
سيما المتعلقة منها باصطفافات الحزب السوري القومي الاجتماعي، وعن مبررات وحيثيات
الانقسامات في صفوف الحزب، وعن معنى ومغزى وأبعاد استبدال المقاومة الشيعية
بالمقاومة الوطنية، وبالتالي عن مصائر وأدوار القوى والفاعليات الوطنية والمدنية،
طالما أن الفعالية السياسية رهن الكتل الطائفية والمذهبية.