back to Documents

 

قائد الجيش السابق العماد ابراهيم طنّوس في ذمّة الله

1929  -  26 Dec 2012

 

 

كلمة شكر من عائلة الفقيد العماد ابراهيم طنوس

 


 


من كلمة الاب ميشال عبود التي القيت في ساحة القبيات:

 

الجنرال طنوس، ليس بحاجة لمديحنا والاطراءات من افواهنا،فتاريخه يتكلم عنه، والمكافأة يأخذها من الرب على اعماله. ولكن لان القبيات من اهل الوفاء، لا بد ان نكون اوفياء لمثل هكذا رجل مرَّ في تاريخ لبنان فطبع المؤسسة العسكريّة بطابع فريد.
كان ابن الكنيسة بامتياز، عرف بمساهمته في بناء الكنائس والاديار ومساعدته للفقراء، عرف بتواضعه الكبير، صمد أمامَ مغرياتِ السياسةِ وملوّثاتِها، واجهَها بالتجرّدِ والنقاوةِ والتواضع. دخل المؤسسة العسكريّة وخرج منها ناصع البياض مثل نقاوة الاثلج.
عاش الاستشهاد الحي حيث حُفِرَت الجراحُ في جسده، من خلال تعرضه للاصابات خلال الحرب....
يقول الكتاب المقدّس: ذكر الصديق يدوم للأبد"، نعم كل من عرف الجنرال طنوس، يعرف بأن هذه الكلمات تنطبق عليه، فقد كان الصديق الوفي للكثرين، والصادق الحقيقي في اقواله واعماله.
وانما نريد للشباب والصبايا، من هذا الجيل ان يقرؤا التاريخ جيداً ليعرفوا من هو ابراهيم طنوس.
كتب التاريخ عنه، ولكن اسمه كتب في سجل السماء.
القبيات كانت ومازالت وفيّة له، ونامل ان يكون من القبيات قادة للجيش لاحقون، ولنا الامل الكبير في ذلكَ.

 

خسر لبنان والمؤسسة العسكرية أحد أهمّ قادة الجيش الذين مرّوا بتاريخ الوطن، العماد ابراهيم طنّوس عن عمر 83 عاما، وفي ما يلي نبذة عن سيرته الذاتية:

وُلد في القبيات - عكار سنة 1929، وتطوّع في الجيش بصفة تلميذ ضابط والحق في المدرسة الحربية اعتباراً من 16/10/1952، ورُقي لرتبة عماد قائد للجيش اللبناني اعتباراً من 8/12/1982. متأهل وله 4 أولاد، ويُتقن اللغتين الفرنسية والإيطالية.

- ترقيـاتـه:

تطوع في الجيش بصفة تلميذ ضابط والحق في المدرسة الحربية اعتباراً من 16/10/1952
رقي لرتبة ملازم إعتباراً من 1/10/1955
رقي لرتبة ملازم اول إعتباراً من 1/10/1958
رقي لرتبة نقيب إعتباراً من 1/1/1965
رقي لرتبة رائد اعتباراً من 1/1/1969
رقي لرتبة مقدم ركن إعتباراً من 1/7/1972
رقي لرتبة عقيد ركن إعتباراً من 1/1/1980
رقي لرتبة عميد ركن اعتباراً من 8/12/1982
رقي لرتبة عماد اعتباراً من 8/12/1982

- تشكيلاته :
نقل الى الفوج الرابع اعتباراً من 1/8/1956
نقل الى المدرسة الحربية (معاون مدرب) اعتباراً من 1/9/1957
نقل الى الفوج الرابع اعتباراً من 1/8/1958
نقل الى لفيف المقر العام وعين في الشعبة الرابعة اعتباراً من 1/10/1958
عين رئيساً للشعبة الرابعة بالوكالة اعتباراً من 21/5/1969 ولغاية 16/8/1970
عين مساعداً لرئيس الشعبة الرابعة اعتباراً من 17/8/1970
عين رئيساً لمصلحة التعاضد في مديرية الشؤون الاجتماعية اعتباراً من 4/10/1971
عين رئيساً لمكتب الرقابة المالية في مديرية الرقابة الادارية اعتباراً من 21/4/1972
نقل الى سرية منطقة البقاع الاقليمية – معاون اقليمي لقائد المنطقة اعتباراً من 18/7/1974
فصل الى قيادة منطقة بيروت اعتباراً من 16/9/1974 ولغاية 26/9/1974
عين معاون اقليمي لقائد منطقة البقاع اعتباراً من 21/12/1974
فصل لقيادة قطاع الدفاع الشرقي بالوكالة اعتباراً من 28/2/1975
نقل الى كتيبة مقر عام لواء المشاة الاول – رئيس اركان اللواء اعتباراً من 18/8/1975
نقل الى القطاع رقم ثلاثة – المجموعة 31 – قائد المجموعة اعتباراً من 16/11/1976
نقل الى كتيبة مقر عام الجيش – بتصرف معالي وزير الدفاع الوطني اعتباراً من 15/3/1978
عين قائداً للجيش اعتباراً من 8/12/1982
أعفي من وظيفته كقائداً للجيش بناء لطلبه ووضع بتصرف وزير الدفاع الوطني اعتباراً من 23/6/1984
احيل على التقاعد اعتباراً من 1/7/1988

- الدورات في الداخل :
دورة تقوية معلومات الضباط من 16/7/1968 الى 28/9/1968
دورة تعلم اللغة الايطالية في المركز الثقافي الايطالي اعتباراً من 8/11/1971 ولمدة اربعة اشهر
دورة تكامل الضباط من 7/5/1968 الى 13/7/1968
دورة اجتياز رتبة لرتبة عقيد من 17/9/1979 الى 27/10/1979

- الدورات في الخارج :
دورة دراسية في فرنسا من 8/10/1955 ولغاية 18/8/1956
دورة دراسية في ايطاليا من 26/9/1972 ولغاية 2/7/1974

- الاوسمة والتناويه والتهاني :
وسام الجرحى
مدالية الاستحقاق اللبناني الفضية
وسام الارز الوطني من درجة فارس
وسام 31/12/1961 التذكاري
وسام الارز الوطني من رتبة ضابط
وسام الاستحقاق اللبناني ذو السعف الدرجة الثانية بالاقدمية
الوسام الحربي مرتين
وسام الارز الوطني من رتبة كومندور
وسام الارز الوطني من رتبة الوشاح الاكبر
وسام الاستحقاق اللبناني من الدرجة الاولى
تنويه وزير الدفاع الوطني مرة واحدة
تنويه العماد قائد الجيش مرتين
تهنئة العماد قائد الجيش ثلاث مرات

 

Armed Forces Commanders - Ibrahim Tannous


1- General Information:
Date and place of birth : 1929-Kobbayat - Caza of Akkar
Languages : French, Italian
Marital status : Married/4 children


2- Promotions:
Enrolled in the Army and entered the Military Academy as Cadet Officer on 10/16/1952
Promoted to Second Lieutenant on 10/1/1955
Promoted to First Lieutenant on 10/1/1958
Promoted to Captain on 1/1/1965
Promoted to Major on 1/1/1969
Promoted to Lieutenant Colonel of Staff on 7/1/1972
Promoted to Colonel of Staff on 1/1/1980
Promoted to General of Staff on 12/8/1982
Promoted to General on 12/8/1982


3- Functions:
Assigned to 4th artillery regiment on 8/1/1956
Assigned to the Military Academy (Deputy Trainer) on 9/1/1957
Reinstated to the 4th artillery regiment on 8/1/1958
Assigned to the general Headquarters – 4th Bureau on 10/1/1958
Was assigned to the 5th artillery battalion- commander of battalion, on 6/4/1962
Was assigned to the 2nd artillery regiment, artillery brigade (deputy-commander of regiment) on 1/25/1966
Appointed commander of artillery regiment on 7/3/1968
Appointed chief of the 4th Bureau per Interim, , as from 5/21/1965 to 8/16/1970
Appointed Deputy Chief of the 4th Bureau on 8/17/1970
Appointed chief of the Co-operative service at the Social Affairs directorate on 10/4/1971
Appointed chief of the Finance control Office at the directorate of Administrative Control on 4/21/1972
Was assigned to the region of North Lebanon on 7/21/1973
Was assigned to the HQ of the infantry brigade- Chief of Staff of brigade on 8/1/1973
Was assigned to the independent anti-tanks company (artillery commander) on 8/3/1974
Was transferred to the company of the Bekaa regional district - regional deputy to the commander of the region on 7/18/1974
Was detached to the Beirut region Command as from 9/16/1974 to 9/26/1974
Appointed Deputy to the Commander of the Bekaa region on 12/21/1974
Was detached to command by Interim, the Eastern defense Sector, , on 2/28/1975
Assigned to the HQ Battalion of the 1st infantry brigade- Chief of Staff of the brigade on 8/18/1975
Assigned to the Army Headquarters Battalion as Chief of the Studies, organization and planning Office on 8/30/1975
Assigned to the Sector No. 3 / Unit 31 as commander of the group on 3/15/1978
Appointed Armed Forces Commander on 12/8/1982
Was released from his duty as the Armed Forces Commander, on his request, and was put at the disposition of the minister of National Defense on 6/23/1984
Transferred to pension on 7/1/1988


4- Courses inside the country:
Enhancement Training Course for officers from 7/16/1968 to 9/28/1968
4 months course in Italian language at the Italian cultural center as from 11/8/1971
Complementary course for officers from 5/7/1968 to 7/13/1968
Rank upgrading course from 5/17/1979 to 10/27/1979


5- Courses outside the country:
Training Course in France from 10/8/1955 to 8/18/1956
Training Course in Italy from 9/26/1972 to 7/2/1975


6- Medals, awards and honors:
Medal for battle wounds
Lebanese order of Merit in Silver
National order of the Cedar in Class of knight
Commemorative Medal of 12/13/1961
National order of the cedar in Officer Class
Lebanese Order of Merit with branches in Second Class
War Medal, two times
National Order of the Cedar, Class of Commander
National order of Merit in Grand Cordon Class
Lebanese Order of Merit in First Class
Commendation of the Minister of National Defense, one time
Commendation of the Armed Forces Commander, two times
Felicitations of the Armed Forces Commander, 3 times


(from Lebanese Army Website)

 

قصيدة القيت في ذكرى الاربعين للعماد طنوس
القاها الضابط المتقاعد عبدالله انطونيوس نادر
6 شباط 2013





تحية إلى روح قائد مميز
بقلم العميد الركن (م) وهبي قاطيشه

يغيب الموت اليوم أحد أبرز قادة الجيش اللبناني: إنه العماد إبراهيم طنوس. الجندي الذي أثبت للأجيال العسكرية التي تلته، أن الشرف والتضحية والوفاء، هي فعل إيمان يومي قد تكلفه حياته في كل محطة.

لم تكن أيام ابراهيم طنوس سهلة في الجندية ؛ لابل كانت الأكثر خطورة على ضابط . ففي عام 1958 فقد إحدى عينيه في إحدى معارك الشرف، دفاعاً عن سيادة الوطن وحرمته . لم تثنه هذه الإعاقة عن متابعة التضحية في سبيل الحفاظ على الوطن من الضياع، حين فقد خلال العمليات الحربية عام 1976 قسماً كبيراً من ذراعه ؛ دون أن تخفف الإعاقات الجسدية من اندفاعه وإصراره على خدمة جيشه وبلاده ؛ إلى أن استدعي في نهاية عام 1982 لاستلام قيادة الجيش، ويشكل ظاهرة عسكرية في هذا المنصب الذي تولاه لمدة عام ونصف فقط.

في الستة أشهر الأولى من قيادتة طور ابراهيم طنوس تنظيم الجيش فرفع مستوى الوحدة الأساسية للقتال لأول مرة من مستوى كتيبة إلى مستوى لواء ؛ وقاتل بهذا الجيش لمدة عام قبل أن يحال إلى التقاعد ؛وبعد ثلاثين عاماً لايزال الجيش يحتفظ بنفس التنظيم الذي وضعه طنوس.

الضباط أطلقوا على العماد طنوس لقب "البولدوزر"، نظراً لطاقته اللامحدودة على العمل. امتلك قلوب مرؤوسيه لشجاعته المميزة فكان القدوة لمرؤوسيه. كان يصل دائماً إلى خط المواجهة الأول في العمليات القتالية، أسوة بكبار القادة في التاريخ، لمشاركتهم قساوة المهمة وحجم الأخطار التي يعيشونها؛ الأمر الذي لم يطبقه الكثيرين من الضباط القادة.

 

مزايا الجنرال طنوس عديدة، نكتفي ببعضها:

- منظم بارع

- دينامية وطاقة للعمل لاتنضب

- شجاعة لاحدود لها إلا التهور

إنه القائد الأمثل الذي عرفه الجيش اللبناني طوال سنين.

 

الى العماد طنوس

شربل انطوان جمعة

 جريدة النهار الأحد 30 كانون الأول 2012- السنة 80 - العدد 24950

 

جلست أخط على الورقة بضع كلمات، والدمعة محبوسة في عيني، والغصة تمنعني من الرد على مكالمة هاتفية... أحدّق في صورة ذاك القائد الثمانيني، يقف شامخاً امام ضرائح شهداء المقاومة اللبنانية في إيليج، في أيلول الماضي، والمقاومة محفورة في عقله ووجدانه وروحه وجسده وعلى وجهه...

 

وأعود إحدى عشرة سنة الى الوراء، وأتذكر، يا عماد، يوم رأيتك متأثراً وأنت تزور صديقك وأخاك، والدي السفير انطوان جمعة، وقد أقعدته جلطة دماغية، وهو لا يزال حتى اليوم، يحمل صليبه بصمت وإيمان.

إن ما جمع بينكما، بالاضافة الى الصداقة، طبعاً، هو أنكما من طينة الرجال الذين لم يرثوا أي شيء، وأنتما قد أورثتمانا كل شيء... ليس بالمعنى المادي، بل بمعنى حب الوطن والتضحية في سبيل الواجب، في سبيل الانسان. ولم تكن قضيتكما يوما، إلاّ قضية الإنسان... لم تغركما المناصب، وعندما تبوأتماها، لم تغيّركما، ولم تفسدكما، فكنتما تجالسان الرؤساء وصانعي القرار، وبقيتما تجالسان المزارع والجندي والطفل، بكل صدق وطيبة وبساطة. فما يميز الكبار الكبار عن الوصوليين، صفة أصبحت نادرة في عصرنا ومجتمعنا، ألا وهي التواضع.

 

عرفتك، يا جنرال، منذ كنت طفلا. ومرت الأيام، وتعرّفت اليك اكثر من خلال الكتب وروايات الذين عايشوك في ساحات الشرف على كل الجبهات، رجلا مؤمناً بقضيته العادلة، وملتزماً واجبه الأخلاقي والوطني، مقاتلا شجاعاً، قائداً يتقدم العسكريين، من معركة الفياضية، حيث برز إسمك مدافعاً عن معنويات الجيش اللبناني وهيبته في وجه المحتل، الى عيون السيمان، يوم كانت زحلة ترزح تحت حصار الدم والحديد والنار. ويروي احد الاصدقاء، وكان مقاتلا يومها، كيف كبرت قلوب المقاومين واشتدت عزائمهم عندما ترجلت من السيارة برفقة الرئيس الشهيد بشير الجميل. وعليه، فإن الكل يشهد، الصديق والعدو، للنقلة النوعية التي شهدها الجيش اللبناني بقيادتك، والمستوى الذي وصل اليه من حيث التجهيز والتدريب والقدرة القتالية.

 

دفعت ثمن خطايا الآخرين ورهاناتهم الخاطئة. ولكنك أكملت المسيرة بصمت وثبات، وبقيت وفيا لقسمك العسكري، ولقضيتك الوطنية، ولدماء الذين بذلوا حياتهم من أجل الوطن والانسان.

ويم تعرضت القبيات للخطر، عام 1988، وصمد شبابها في وجه المعتدين، لم تتوانَ لحظة عن مواكبة هذا الصمود الميداني عبر انشاء خلية ضمت اليك وصديقك انطوان، عددا من ابناء القبيات، فعملتم على تأمين المساندة اللوجستية والغطاء السياسي والتغطية الاعلامية. وبفضل كل هذه الجهود الجبارة، أُنقذت القبيات، وبقيت الهوية، وصمد الانسان، وقوي لبنان...

 

جنرال، كل الكلام، أسطراً وصفحات، لا يكفي... ولكن كفاك فخراً ان الرجالات من امثالك، هي الأوسمة الحقيقية على صدور الأوطان.

والتاريخ قد شرّع البوابات الكبيرة لك، يا عماد. فاذا نسي البعض تاريخه او تناساه، فإن الشعب لا ينسى، والتاريخ لا ينسى، والذاكرة لا تمحى.

 

ونحن نعاهدك، أنا والكثيرون غيري، أمام الله والتاريخ، بأن نمضي قدماً، كما تعلمنا منكم، أنت ورفاق دربك، على نهج محبة وطننا لبنان، وبشكل خاص "قبياتك – قبياتنا" الحبيبة، وبأن نستمر في العمل من أجل قضية الانسان في مدينتنا وفي بلدنا، بصمت واخلاص وتواضع.

 

أما الآن، فإن الدمعة بدأت تتسلل من عيني وتشقّ طريقها على خدي... فلا أملك بعد إلاّ أن اقول لك: الى اللقاء أيها القائد. 

 

 

العماد ابراهيم طنوس قائدٌ فذّ قضيته لبنان

ريشار داغر - عميد ركن متقاعد - مجلة المسيرة العدد 1403

 مجلة المسيرة - January 5, 2013

لم اكن أعرف العماد الراحل قبل توليه قيادة الجيش في أواخر العام 1982، لكن اسم ابراهيم طنوس كان يتردد عالياً عند كل حديث عن الضباط الأشداء باساً ووطنية، وقد أثبت بعد وصوله الى سدة القيادة ان كل ما قيل عنه لم يفِ بما كان عليه القائد الجديد من صلابة ورؤية وبما حققه من إنجازات.

كان العماد القادم الى اليرزة رجلاً م طينة مختلفة عن كل من سبقه ومن أتى بعده، التاريخ يشهد بذلك وكل من عاصره من عسكريين. ابراهيم طنوس كان ببساطة قائداً شجاعاً مقاتلاً خبرته ساحة الحروب الشريفة مرات ومرات، وكان الى ذلك صاحب قضية كبيرة لم يتوانَ لحظة عن المجاهرة بها، عن القتال في سبيلها، وعن دفع الأثمان الباهظة لحفاظ عليها، كان لبنان القوي والسيد قضيته، بل القضية الوحيدة التي لم تنل منها إغراءات الاحتفاظ بالموقع او الوصول الى قصر الرئاسة أو اي مشروع زعامة بديلة.


وصوله الى موقع القيادة كان علامة فارقة في تاريخ الجيش ونقطة تحوّل لم يسبق ان عين مثلها. بين ليلة وضحاها تحولت المؤسسة خلية عمل متواصل، وورشة إعادة بناء لم تهدأ فترة إقامته القصيرة في اليرزة. أقفلت مرامح الفروسية وملاعب التنس لتحل محلها جولات المقاتل ومخيمات التدريب وهنغارات الدبابات ” أمامنا معركة تحرير لبنان وقيامة الدولة، ومعركتنا لا تحتمل التلّهي بالترفيه” هكذا كان يختصر الكلام ويرد على التأفف، والويل لمن لا يراصف نفسه مع بوصلة ” البلدوزر”.

كان العماد طنوس يردد أمام الضباط” أنا بعين واحدة لكنني أرى جيداً” وكان بالعين الواحدة التي أبقتها له الحرب وبالبصيرة الثاقبة التي صنعتها التجارب يدرك ان لا مجال لخلاص لبنان الا من خلال إعادة بناء الجيش على قواعد مختلفة تسمح له بمواجهة أعداء الداخل والخارج. وكان مقتنعاً بأن إنهاء محنة اللبنانيين ومعاناتهم لا يمكن أن تتحقق الا من خلال إنقلاب جذري يطال المؤسسة العسكرية في ذهنيتها وروحها. في إمكاناتها واداءها. ومنذ اللحظة الاولى لدخوله اليرزة عقد ابراهيم طنوس العزم على أن يكون هو رجل الانقلاب الجذري الذي سيأخذ المؤسسة الوطنية الأم الى حيث يريدها اللبنانيون، وفي اتجاه ما يحقق غاية الغايات: إنقاذ لبنان.

على إيقاع دفق السلاح والمدافع والعتاد كان العماد طنوس يصل نهاراته بالليالي متنقلاً من الاجتماعات التنظيمية في مقر القيادة الى المخيمات الصاخبة بضجيج الوحدات المتدربة الى الحواجز ومراكز القتال، وعلى لسانه عبارة واحدة لم يتعب من تردادها على الضباط والجنود” المؤامرة على لبنان كبيرة ونحن من سيحبطها”.

على احد محاور سوق الغرب التقيته مرة في صيف العام 1983، وكان القتال يدور بضراوة بالغة، كنت اقوم بجولتي الروتينية على عناصر وحدتي المنتشرة على الجبهة، حين فوجئت به قادماً في سيارة جيب “ويلليس” مع سائقه والضابط المرافق يرتدي سترة واقية للرصاص وخوذة حديدية، لا اركان يرافقونه ولا سيارات سوداء،لا مظاهر ابهة ولا حراس شخصيون، كما عودنا القادة. سألته بإستهجان وخوف أنسياني أصول التخاطب وواجب تأدية التحية:” ماذا تفعل هنا يا سيدي العماد؟ المنطقة شديدة الخطورة” فما كان منه الا أن بادرني بإبتسامة مطمئنة ليخفف من توتري:” ليش أنا احسن منكم يا ابني؟ يسواني ما يسواكم، مش معي فرجيني على مراكزك”، وقبل ان أجيب طوّقني بذراعه وجرّني في الاتجاه الذي يريد. اذهلني تصرف العماد يومذاك، أعترف بأنها كانت المرة الوحيدة التي التقي فيها قائداً للجيش على جبهة قتال مشتعلة، واجزم واثقاً بأن أحداً غيري لم يشاهد جنرالاً غير ابراهيم طنوس عند خطوط النار.


في غابة ارز الوفاء في سيدة ايليج

لم يعمّر زمن ابراهيم طنوس في قيادة الجيش طويلاً، والمؤامرة التي طالما تحدّث عنها ووعد بإحباطها كانت أكبر منه الى حد النيل منه وإخراجه من اليرزة. مفارقة عجيبة أن يتفق على إبعاده عن قيادة الجيش حينذاك كل أطراف الداخل والخارج، الأعداء والأشقاء والأصدقاء على حدّ سواء، ولا عجب لقد كان مشروع ابراهيم طنوس للجيش خطيراً من شأنه أن ينهي عهود الجميع لمصلحة عهد الدولة. مشروع العماد أصبح عقبة أمام أمراء الحرب وأصحاب المشاريع في الداخل وأمام عواصم التآمر على وحدة لبنان وسيادته ومنعته ، من تل أبيب الى دمشق. إسرائيل قالتها بالأفعال وسوريا قالتها جهاراً: المطلوب إستبعاد ابراهيم طنوس عن قيادة الجيش. ثم كان ما كان مما اصاب العماد طنوس وأصاب الجيش ولبنان. أكبر الشواهد على ما نحن فيه. لقد إنتصرت المؤامرة.




 

قبل ثلاثة عقود خرج العماد ابراهيم طنوس من قيادة الجيش وخيبته من أهل البيت تفوق خيبته من أعداء لبنان. واليوم يرحل الى دنيا الحق وفي قلبه حسرة على أحوال وطن أحبّه حتى بذل العيون وإهداء الدماء.( أصيب في ثورة 1985 وحرب السنتين) . يرحل عن هذه الدنيا وهو يدرك جيداً أنه سيظل في ذاكرة الوطنيين الأنقياء منارة هداية لما يجب أن يكون عليه القادة والرجال، وأنه سيبقى في وجدان أصحاب القضية نبراساً يُقتدى به، هزمته المؤامرة ولم ينكسر. أبعدته عن قيادة الجيش وظل الجيش في ضميره خشبة الخلاص التي يعوّل عليها، حسبه أنه لم يساوم، لم يتراجع، لم يتاجر بمبادئه. حسب ابراهيم طنوس انه رحل مرفوع الراس شامخاً. أنه سيبقى هامة نادرة من هامات لبنان.

ريشار داغر

عميد ركن متقاعد

مجلة المسيرة العدد 1403

7/1/2013