back to Documents 2016 

وسُرعان ما نَسِيَ!

 

 

جَمَعَ مُزارِعٌ وزوجته ما تبقّى من دنانير وابتاعوا بها فدّان. فالفدّان هو البديل الوحيد والمناسب لحراثة الأرض، لكونه يُمَكِّن الدخول إلى أصغر المساحات وأضيقها، وهذا يتيح حراثة كل شبر منها.
"يلّا عالغدا يا مرا! مصاريني عمبتصوفر من الجوع."
خاطب مارون شريكة لقمته عَليا، رابطاً الفدّان بإحكام بشجرةِ التّينِ التي لا تركع كما يمازحُ دائماً.
" دخيلك يا مارون! هلأ بياخد الفدّان بَرد." قالت عَليا لاهثةً.
"بَرد؟" ردّ مارون. "أيّا بَرد؟ صرنا بأول الصّيف! بَرد قال.." هزّ مارون برأسه ودخل البيت مطمئن البال. فالجيران أمناء والمستقبل باهر، خصوصاً بوجود الفدّان!
"يو سطفل!" ردّت الزوجة وفي ذاكرتها ما حدث قبلاً، عندما التهم قطّ بَرّي يُعرَفُ بالوشق ثَورهم منذ سنوات وبقرتهم من قبلها. ليأتي ضَبع ويُكمِل ما بدأه الوشق ومن ثم عِقْبان أنهت ما أكمله الضّبع!
مارون رجل من خيرة الرجال. ما بقي لديه غير أرضه الصغيرة يعتاش منها في وطنه الذي يحب. أمّا طيبة قلبه جعلت ذاكرته ذاكرة سمكة تنسى ما ان تأكل. بعكس عَليا! كالفيلِ لا تنسى شيء مهما مَرَّ من زمن. وديعة كالحمامة، حكيمة كالحيّة!
بطبيعة الحال، الضّبع لا يهوى الوشق. ولكنه ينتظره لِيُسَهِّل أموره عليه. وكذلك العِقْبان، هي لا تهوى الضّبع ولكنها تنتظره بغية الإكمال على ما تبقّى.
وحينها، وكأن الوشق والضّبع والعِقْبان تآلفت، ليخرج مارون من قيلولته واجداً الحَبل مُعَلَّق بالتّينة، ودمٌ أرضاً، وأرض باتت بيعتها محتومة كي تصبح مكبّ للنفايات!
تَحسَّرَ مارون لو استطاع أقلّه إبعادها بصوتٍ رَجَّ به الأرض. وسُرعان ما نَسِيَ.

 

== جو عبدو ==  19 ايار 2016