الأيقونة من محفوظات أبرشيّة قبرص المارونيّة |
زمن القيامة
|
::: مقدّمة ::: |
• إنّه الأحد الخامس في زمن
الفصح وفيه نتأمّل بتسلّم مار بطرس رعاية كنيسة يسوع المسيح القائم من بين الأموات.
• في المقطع المختار من الرسالة إلى أهل أفسس، نتأمّل
في الموت الرّوحي النّاجم عن الخطيئة والّذي لا يقيمنا منه إلّا الخلاص الّذي وهبنا
إيّاه الربّ يسوع بموته وقيامته.
• أمّا في مقطع الإنجيل المختار من يوحنا، فنجد مار
بطرس يؤكّد حبّه للربّ ثلاث مرّات متتالية في ردٍّ مباشر على إنكاره له ثلاث مرّات
أيضاً.
تدعونا الكنيسة إذاً، في هذا الأحد، إلى الاقتداء ببطرس
الّذي لم يغرق في لوم ذاته، بعد أن أنكر يسوع، بل استجاب لدعوة الربّ المتجدّدة له
ليقود سفينة الكنيسة وسط عواصف العالم. فهل أقود سفينة حياتي وفي قلبي الرّجاء
بالمخلّص القائم من بين الأموات؟!
::: صــلاة ::: |
يا ربّ، نشكرك على طول اناتك
تجاهنا، نحن الّذين ننكرك في كلّ يومٍ آلاف المرّات ومع هذا تعود وتؤكّد لنا دعوتك
كلّ ما أصغينا لكلامك في الإنجيل أو تناولنا جسدك ودمك، الّذين يجسّدون محبّتك
الدائمة لنا رغم كلّ ما ينتابنا من مزاجيّة وطباعٍ وقساوة قلب...
نشكرك على الكنيسة وتعليمها الّتي، رغم ضعفها البشريّ
كبطرس، تشهد للعالم عن محبّتك مع أنّها، وفي أماكن كثيرة، تلقى مصير بطرس فتصلب
بالمقلوب بالفعل والقول....
هبنا اليوم، وفي هذا الأحد، أن ننطلق إلى العالم وفي
قلبنا محبّة بطرس وعفويّته وشجاعته مع وعيه لضعفه وخطيئته، فلا نتلهَّ في لوم
ذواتنا بل نسخّر كلّ ما في قلوبنا وفكرنا وجسدنا من قوّة للشهادة لاسمك ولاسم أبيك
وروحك القدّوس، الآن وإلى الابد، آمين.
::: الرســالة ::: |
1 وأَنْتُم، فقَدْ كُنْتُمْ
أَمْوَاتًا بِزَلاَّتِكُم وخَطَايَاكُم،
2 الَّتي سَلَكْتُم فيهَا مِنْ قَبْلُ بِحَسَبِ إِلـهِ
هـذَا العَالَم، بِحَسَبِ رَئِيسِ سُلْطَانِ الـجَوّ، أَي الرُّوحِ الَّذي يَعْمَلُ
الآنَ في أَبْنَاءِ العُصْيَان؛
3 ومِنْهُم نَحْنُ أَيْضًا جَمِيعُنَا قَدْ سَلَكْنَا
مِنْ قَبْلُ في شَهَواتِ إِنْسَانِنَا الـجَسَدِيّ، عَامِلِينَ بِرَغَبَاتِهِ
وأَفكَارِهِ، وكُنَّا بِالطَّبِيعَةِ أَولادَ الغَضَبِ كَالبَاقِين؛
4 لـكِنَّ الله، وهُوَ الغنِيُّ بِرَحْمَتِهِ،
فَلِكَثْرَةِ مَحَبَّتِهِ الَّتي أَحَبَّنَا بِهَا،
5 وقَدْ كُنَّا نَحْنُ أَيْضًا أَمْوَاتًا
بِزَلاَّتِنَا، أَحْيَانَا معَ الـمَسِيح، وبِالنِّعْمَةِ أَنْتُم مُخَلَّصُون؛
6 ومَعَهُ أَقَامَنَا وَأَجْلَسَنَا في السَّمَاوَاتِ
في الـمَسِيحِ يَسُوع،
7 لِيُظْهِرَ في الأَجْيَالِ الآتِيَةِ غِنَى
نِعْمَتِهِ الفَائِقَة، بِلُطْفِهِ لَنَا في الـمَسِيحِ يَسُوع.
8 فَبِالنِّعمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ بِواسِطَةِ
الإِيْمَان: وهـذَا لَيْسَ مِنْكُم، إِنَّهُ عَطِيَّةُ الله.
9 ولا هُوَ مِنَ الأَعْمَال، لِئَلاَّ يَفْتَخِرَ
أَحَد؛
10 لأَنَّنَا نَحْنُ صُنْعُهُ، قَدْ خُلِقْنَا في
الـمَسِيحِ يَسُوعَ لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَة، الَّتي سَبَقَ اللهُ فأَعَدَّهَا
لِكَي نَسْلُكَ فيهَا.
( الرّسالة إلى أهل أفسس – الفصل 2 - الآيات 1إلى 10)
::: أفكار من وحي الرسالة ::: |
كلّنا نعيش عادةً حياتنا ونجيب
إن سألنا النّاس عن أحوالنا :"الحمد لله"... ولو كنّا غير سعداء أو أشقياء أو ما
شابه...
ولكن، هل فكّرنا لهنيهة بأنّنا نقول أيضاً نفس الكلمة
حين نكون أيضاً، وفق كلمات الرّسالة، "أمواتاً" بالزلّات والخطايا؟!
وهنا لا يوجد سوى معنى واحد ممكن لأنّ الآخر مستحيل:
• المعنى الممكن: نشكر الله لأنّنا نعيش في حالة
الخطيئة التي سبّبناها نحن لأنفسنا!
• المعنى المستحيل: نشكر الله على الخطيئة التي سبّبها
لنا هو وهو ما لا يمكن أن يكون معقولاً لأنّ الله ليس مصدر الخطيئة!
لذا لا بدّ هنا من طرح السؤالين التاليين على ضمائرنا
جميعاً:
• هل نحن ممنونون على حالة الخطيئة؟ هل نحن فرحون من
جرّائها؟
• لا شكّ بأنّنا نقع أحياناً فريسةً ﻟ"شَهَواتِ
إِنْسَانِنَا الـجَسَدِيّ، عَامِلِينَ بِرَغَبَاتِهِ وأَفكَارِهِ"... ولكنّ هل نعي
مدى انغماسنا فيها وانسياقنا لمتطلّباتها ومدى تحوّلها إلى نمط حياتيّ نرتاح إليه؟!
فلنراقب حولنا أفراد عائلاتنا وأصدقائنا قليلاً...
وأنفسنا أكثر:
• ألم يتحوّل التجديف إلى عادةٍ ومحطّ كلام؟
• ألم تتحوّل الإباحيّة والأفكار البذيئة إلى منهج
حياة؟
• ألم تصبح البذائة في الأقوال وصولاً إلى النكات
عنواناً للمفاخرة؟
وتطول اللائحة قدر ما نرغب ونشاء ولكن النتيجة واحدة:
لا يمكن للإنسان أن يستمرّ هكذا لأنّه سيصل إلى نتيجةٍ مأساويّة هي مخالفة طبيعته
وسبب وجوده الّذي يختصره إيماننا بالقول إنّ الإنسان "مخلوقٌ على صورة الله
ومثاله"... ومن كان هكذا لا يقدر أن يتعايش مع منظومة الخطيئة والخلاعة
والاستهتار... لأنّه لم يولد ليكون أسيرها بل ولد ليكون حرّاً في الله ومعه ولكن
ليس من دونه!
وهنا توضح رسالة اليوم مسألةً جوهريّة. فالخلاص لم يأتِ
نتيجة جهودٍ بشريّة أو نتيجة إذلالٍ للإنسان بل أتى نتيجةً لحبّ الله المجّاني
:"فَبِالنِّعمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ بِواسِطَةِ الإِيْمَان: وهـذَا لَيْسَ
مِنْكُم، إِنَّهُ عَطِيَّةُ الله. ولا هُوَ مِنَ الأَعْمَال، لِئَلاَّ يَفْتَخِرَ
أَحَد".
فالخلاص نعمة من الله أوّلاً ولكنّه لا يتحقّق من دون
إيمان الإنسان به إيماناً يترجم عملياً بالأعمال قبل الأقوال... فالشياطين آمنت
بيسوع ولكنّها لم تترجم إيمانها بعمل جديّ يعبّر عن محتوى هذا الإيمان...
الخلاص إذاً هبة من الله للإنسان نظراً "لِكَثْرَةِ
مَحَبَّتِهِ الَّتي أَحَبَّنَا بِهَا" لكونه "هُوَ الغنِيُّ بِرَحْمَتِهِ". ولكن
يبقى على الإنسان أن يقبلها بكليّته: فكراً وقولاً وعملاً...
لذا، من كان غارقاً في حياة الخطيئة فليحذر، لأنّ الله
وهبه نعمة الخلاص ولكنّه لا يقدر على إرغامه على أن ينالها، وفق ما أكّد مار
أوغوسطيوس حين كتب: "الله الّذي خلقك من دون إرادتك لا يقدر أن يخلّصك من دون
إرادتك"!
فاليوم نحن مدعوّون لنبدأ بتغيير حياتنا عبر قبولنا
للحريّة التي منحنا إيّاها الله وللخلاص الّذي أهدانا إيّاه، دون استحقاقٍ من
قبلنا، وهكذا نقوم من موتنا الرّوحيّ إلى الحياة مع الله وفيه، سالكين في حياتنا،
درب القيامة الّذي يتجلّى عمليّاً في قيامنا ﺒ"اِلأَعْمَالِ الصَّالِحَة، الَّتي
سَبَقَ اللهُ فأَعَدَّهَا لِكَي نَسْلُكَ فيهَا". فهل نحن على استعدادٍ لهذه
المهمّة؟!
::: الإنجيل ::: |
15 وبَعْدَ الغَدَاء، قَالَ
يَسُوعُ لِسِمْعَانَ بُطْرُس: "يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ
مِمَّا يُحِبُّنِي هـؤُلاء؟". قَالَ لَهُ: "نَعَم، يَا رَبّ، أَنْتَ تَعْلَمُ
أَنِّي أُحِبُّكَ". قَالَ لَهُ يَسُوع: "إِرْعَ حُمْلانِي".
16 قَالَ لَهُ مَرَّةً ثَانِيَةً: "يَا سِمْعَانُ بْنَ
يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟". قَالَ لَهُ: "نَعَمْ يَا رَبّ، أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي
أُحِبُّكَ". قَالَ لَهُ يَسُوع: "إِرْعَ نِعَاجِي!".
17 قَالَ لَهُ مَرَّةً ثَالِثَة: "يَا سِمْعَانُ بْنَ
يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟". فَحَزِنَ بُطْرُس، لأَنَّ يَسُوعَ قَالَ لَهُ ثَلاثَ
مَرَّات: أَتُحِبُّنِي؟ فَقَالَ لَهُ: "يَا رَبّ، أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيء،
وَأَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّي أُحِبُّكَ". قَالَ لَهُ يَسُوع: "إِرْعَ خِرَافِي!".
18 أَلـحَقَّ الـحَقَّ أَقُولُ لَكَ: حِينَ كُنْتَ
شَابًّا، كُنْتَ تَشُدُّ حِزَامَكَ بِيَدَيْكَ وتَسِيرُ إِلى حَيْثُ تُرِيد.
ولـكِنْ حِينَ تَشِيخ، سَتَبْسُطُ يَدَيْكَ وآخَرُ يَشُدُّ لَكَ حِزامَكَ،
ويَذْهَبُ بِكَ إِلى حَيْثُ لا تُرِيد".
19 قَالَ يَسُوعُ ذلِكَ مُشيرًا إِلى الـمِيتَةِ
الَّتِي سَيُمَجِّدُ بِهَا بُطْرُسُ الله. ثُمَّ قَالَ لَهُ: "إِتْبَعْنِي!".
(يو 21\15-19)
::: أفـكار من وحـي الإنجيـل ::: |
في هذا الأحد المبارك، نتوقّف،
في قدّاسنا، على تأسيس الكنيسة وبنيانها.
لقد قرأنا إنجيل يوحنا وسمعنا كيف سأل يسوع بطرس إن كان
يحبه أكثر مما أحبه سائر التلاميذ حتى يكل اليه رعاية الكنيسة.
ربّما هذا هو نداء يسوع الأخير حيث يطرح السؤال ثلاث
مرات وفي كلّ مرَّة يكل اليه نموذجاً من الرعاية: النعاج والحملان والخراف.، أي
رعاية القطيع بكامله.
وهنا نفهم أن محبة المسيح هي في أساس الرعاية الحقيقية
والصادقة للقطيع. فالمحبّة هي في أساس الرسالة وهي في أساس كلّ مسؤولية مهما كانت
صغيرة أم كبيرة. على صخرة المحبة تبنى كنيسة المسيح وعلى بطرس الصخرة تتأسس الكنيسة
بسلطان المحبة. المحبة أساس الرئاسة لأنها تبدِّل المفاهيم فالرئيس بالمحبة يصبح
الخادم والأول يصبح الآخر ومن يريد أن يكون عظيماً عليه أن يبذل نفسه ويموت عن
الآخرين...
إنّ بطرس الذي طُلِبَ منه ثلاث مرات أن يكون الراعي لا
يمكن إلا أن يكون في خطّ ذاك الذي أحبنا قائلاً: "ما من حبّ أعظم من أن يبذل
الإنسان نفسه عن أحبائه".
هذه هي المحبّة التي يجب أن يتميز بها كلّ رئيس ومسؤول
في كنيسة المسيح وفي المجتمع أيضاً. إن بطرس عرف بعد قيامة معلمه من بين الأموات
كيف يتبع يسوع حتى الموت. لقد قاده يسوع إلى حيث لا يشاء وقال عنه التقليد إنّه مات
مصلوباً ورأسه إلى تحت لأنه اعتبر نفسه غير مستحق بأن يصلب مثل معلمه. ولكنّنا في
الماضي عرفنا بطرس على غير ذلك فهو الصياد الذي يعمل في الليل وسط المخاطر و
الأهوال، يوفَّق في الصيد أحياناً و أحياناً أخرى لا. عرفناه متزوّجاً فقيراً
أُميّاً، متقلّب المزاج، ومرّات عديدة نراه جباناً يخاف على حياته... ولكن كلّ هذا
زال عندما دخل في سرّ الحب الإلهي. لقد ترك كلّ شيء وتحوَّل من صياد سمك إلى صيادٍ
للناس. لقد أنكر المسيح وهذا صحيح لكنّه عاد تائبا إلى ربّه وأظهر له حبه ثلاث مرات
فجعله يسوع راعياً لشعبه الجديد. وظلَّ بطرس أميناً لمعلمه حتى مات شهيداً في سبيل
إيمانه به وهكذا برهن بأنه يحبّ المسيح أكثر من الذين يدّعون المحبة ولكن في الواقع
هم لا يحبون إلا أنفسهم ومصالحهم.
وهنا يبقى السؤال: أنا من يدعي الفهم والعلم والتقوى
والقوة و....هل أستطيع أن أفعل مثله؟ هل أستطيع أن أبادل المسيح محبة بمحبة؟ ما هو
جوابنا إذا سألنا الرب اليوم إن كنا نحبه أكثر من غيرنا؟
::: تأمّل روحي ::: |
طوباويّة المحبّة!
بين السّماء والأرض، جعلتَ لنا
طريقٍا من حبّ. هناك ثبّتّ أرجل المبشّرين باسمك لكلّ من لم يعرفْكَ بعد، وما زلت
تفعل. يا ابن الله الحيّ، أنت من يفتح قلب الإنسان على نور القيامة من قبر الموت،
منذ لحظة خروجه من الرّحم، فكيف لا يكون ابن السّماءِ بالحبّ والرجاء والإيمان،
وابن الأرض بالرّسالة الّتي تولد مع كلّ نفس ِ بشر؟
أتحبّني؟
كلمة-زادٍ معيوش، وعنصر حياة لا بدّ منه من أجل
الإستمرار في سلوك الطّريق الّتي تركها لنا يوم كان بيننا بالجسد. كلمة أدخلها يسوع
إلى قلب وضمير كلّ منّا كي تلقى جوابًا في يوميّاتنا وانشغالاتنا مهما تنوّعت أو
كثرت: أن نُحِبّ.
"أتحبّني؟"، سؤال ينقلنا به يسوع من شاطئ تفكيرنا
البشريّ المتجرّد والمّادّي إلى الضفّة الأخرى من الحياة حيث الرّسالة على الأرض
تنتظر. تنقلنا إلى حيث أهل التطويبات يقطنون: المساكين بالرّوح والودعاء وأنقياء
القلوب وصانعيّ السّلام، يشاهدون وجه اللهِ وأبناء الله يُدْعَون، فيكونوا عطر
المسيح الّذّي يعزّي الحزانى ويشفي القلوب المنكسرة ويسامح العدوّ ويرحم الظالم
ويداوي القلوب المتحجّرة، فتلين وتتبنّى بدورها الرحمة بعد أن تكون قد تذوّقتها.
أتحبّني؟
صدمة كبرى لبطرس الّذي فينا!... يا للسؤال الصاعق! هو
يعلم إذًا بكلّ ما صنعته، وما من شيءٍ يخفى عليه، بل كلّه معلوم ومكشوف لديه. هذه
الكلمة (أتحبّني) لخّصت تجربة بطرس وما زالت تلخّص تجربتنا وموقفنا، وتنتظر جوابنا
في كلّ مرّةٍ ، وأكثر من ثلاث، نُسْأَلُ فيها عن الحبّ المسيحيّ، حيث الله يسكب
ذاته بالكامل فينا. فهل هناك إذًا ما يُطلب منّا أكثر رهبةً من قبول مكنونات قلب
الله تُسكَب في قلوبنا؟ أن أكون ابنًا له، فيغفر لي كلّ ما صنعت، ألا يتطلّب ذلك
بطولة كبرى؟
بالعقل لا أستطيع استيعاب فكرة أنّ الله قد ضحّى بذاته
وبذل أحَبَّ مَن لديه، إبنه يسوع، "لأنّه هكذا أحبّ الإنسان" رغم نكرانه له. إذًا
بالقلب التّائب، النافض الرّماد عن جمرة الرّوح الّذي فيه، يستطيع أن يشعر الإنسان
بنار الحبّ، الوحيد المضطرم في أحشائهِ فيجيب:" أنت تعلم أنّي أحبّك".
أتحبّني؟...انت تعلم أنّي احبّك.
سؤال ينقلنا إلى حيث العدالة اتّخذت لها وجهًا جديدًا
نابعًا من الرّحمة والحبّ، لا من الإنتقام والصلف والتّشفي. ينقلنا إلى ذاتنا
الباطنية فنرى المسامحة الصّادقة على استعدادٍ، فنرغب بها لمن أساء إلينا حتّى
ولوكان لا يستأهلها في نظر عدالة البشر: إنّها تجعلني أرغب للآخر ما أرغبه لنفسي.
عدالة ما بعدها عدالة. لقد سبقها الحبّ اللامحدود إلى قلب بطرس، فسلكت طريقها
مباشرةً إلى العمق ورفعته من مستوى الشّعور بالذنب إلى الإقرار برحمة العليّ وقدرته
على العطاء اللامشروط، ذلك لأنّه أحبّ النضال من أجل الحب، لا الإستسلام إلى الضعف
حتّى ولو سقط ألف مرّةٍ، فإنّ ذلك لا يهمّ: لقد اختاره صخرة الكنسية الّتي "عليها
بنى بيعته". ونحن؟ بماذا نجيب؟
تعال واتبعني كي ترعى خرافي:
ها هو اليوم ينادي:" أنت،... ، إتبعني". فهل نريد سماع
نداءه، فنتبعه حتىّ المنتهى؟
::: نوايا وصلاة شكر للقدّاس ::: |
نوايا للقدّاس
1- نصلّي من أجل المسؤولين في
كنيستك، مار بنديكتس السادس عشر بابا روما، ومار بشارة بطرس بطريركنا الأنطاكي مع
أبينا مار نصرالله بطرس صفير، ومار جورج بوجودة مطراننا، مع سائر الأساقفة والكهنة
والمكرّسين على اسمك القدوس، كَي يكونوا رُعاةً حقيقيّين لِشَعبك بكلّ فئاته:
خرافًا، نِعاجًا وحِملانًا، نسألك يا رب.
2- مِن أجل كلّ مَن لا يزال مَيتًا بِزَلاّته وخطاياه،
خاضعًا لِسُلطان الشهوةِ، مُسَلّحًا بِروحِ الغَضَب، أفِض عليه نِعَمَك فيتحرّر
وقَوّي إيمانه فيَخلُص ويتبَعك في الطريق، نسألك يا رب.
3- كَي ننال النِعَم، ونَستَحِقَّ الغُفران، على
مسيرَتنا أن تبدأ بالمحبّة لِلمسيح القائم من الموت، أعطنا أن نُحِبَّ كما يَجب،
هذه المحَبّة التي تُتَرجَم بِمَحَبّة الذات ومحبّة الآخر، كَي نستَحِقّ الدعوة
لاتّباع يسوع، نسألك يا رب.
4- مِن أجل كلّ مَن تأخذهم الأيام إلى حَيث لا يريدون:
إلى المرض، إلى الترمّل، إلى التيَتُم، إمسك بِيَدهم، بشفاعة مريم والقدّيسة ريتا
وجميع القدّيسين، وداوِ جراحهم، فيَنتصروا على آلامِهم، وتعودَ البَسمة إلى شفاههم،
نسألك يا رب.
مِن أجل كلّ من غَفَلَه الموت ولم يكن بعدُ
مُستَعِدًّا، فَلَم يُمَجّدك بمَوته، لا تنظر إلى عدم استعداده، بل مجِّده بالجلوس
معك في العرس السماوي، غافرا لنا وله الخطايا والزلات.
صلاة شكر للقدّاس
بِكَثرة محبّتك أحيَيتنا،
وبِنِعمتك خلّصتنا، لا الفَضلُ لنا ولا الأعمال الصالحة منّا، بل هي كلّها عطيّة
مجانيّة منك، لا لِشَيْءٍ، بل لأنّك جَبَلتنا، وجعلتنا خاصّتك؛
تهتمّ بنا، تخاف علينا، فَتُوصي بِرِعايتنا، خرافًا
كنّا، نِعاجًا أو حِملانًا، ذكورًا، إناثًا أو أطفالاً،
تُرشِدُنا، وتطلب منّا اتّباعك، وكي لا نتوه، تطلب منّا
أن نتناول جسدك ودمك، ذادًا لنا في الطريق،
يُنعِشنا ويُقوّينا،
لك الشكر، لك الحمد والمجد، أيّها الآب والابن والروح
القدس، الذي بمَسيرتك معنا لا تسألنا إلا : "أتُحبّني؟؟"، وتقبل بجواب النَعَم،
رُغم معرِفتك لِضُعفنا وميولنا التي لا تزال تتحكّم فينا أحيانا،
لك الشكر على ثقتك التي تُخجلنا، والتي من خلالها تنوي
تقديسنا،
لك كلّ المجد من الآن وإلى الأبد، آمين.
المقدّمة والصلاة وأفكار من وحي الرّسالة من إعداد (منسّق النشرة)
أفكار من وحي الإنجيل من إعداد
الخوري رولان معربس
التأمّل الروحي من إعداد
السيدة جميلة ضاهر موسى
نوايا وصلاة شكر للقدّاس |