|
الأيقونة من محفوظات أبرشيّة قبرص المارونيّة |
زمن الميلاد
المجيد الأحد
الثاني - أحد بشارة العذراء |
|
::: مقدّمة ::: |
- في أحد البشارة إلى
العذراء، ندخل في الأسبوع الثاني من زمن الميلاد في أحدٍ يُذكّرنا بذكرى ولادة
واحدة من أجمل صلواتنا: السلام عليك يا مريم....
- في أحد بشارة العذراء، تُكمِل الكنيسة مسيرتها مع
القديس بولس وهو يتكلّم عن وعد الله الذي أعلنه لإبراهيم ونسله وهو المخلّص –
المسيح. في نص من الرسالة إلى أهل غلاطية.
- أمّا في إنجيل اليوم، فنتأمّل في الموازاة التي
أقامها القدّيس لوقا في كتابته ما بين البشارتَين : بشارة زكريا وبشارة مريم.
- في هذا الأحد المبارك، لنتمثّل بطاعة مريم وإيمانها
وثقتها بتدبير الله الخلاصي من أجلنا ومن أجل خلاصنا.
|
::: صــلاة ::: |
أيّها الآب السماوي، نشكرك لأجل البشارة إلى مريم ولأجل إيمان مريم التي قبلت بإيمان أن تكون أمّ الكلمة المتجسّد فيها بالرّوح القدس ونسألك أن نتمثّل بها في كلّ حياتنا فنعيش الإيمان والرّجاء اللذين عاشتهما في حياتنا اليوميّة فنترجمهما بالمحبّة، فيتمجّد بنا وبكلّ شيء أسمك القدّوس مع إسم إبنك وروحك القدّوس، إلى الأبد، آمين.
|
::: الرســالة ::: |
15 أَيُّهَا الإِخْوَة، كَبَشَرٍ أَقُول: إِنَّ
الوَصِيَّة، وإِنْ كَانَتْ مِنْ إِنْسَان، إِذَا أُقِرَّتْ، لا أَحَدَ
يُبْطِلُهَا أَو يَزِيدُ عَلَيْهَا.
16 فالوُعُودُ قِيْلَتْ لإِبْراهِيمَ وَلِنَسْلِهِ.
ومَا قِيْلَتْ: "ولأَنْسَالِهِ"، كأَنَّهُ لِكَثِيرِين، بَلْ "وَلِنَسْلِكَ"،
كَأَنَّهُ لِوَاحِد، وهُوَ الـمَسِيح!
17 فأَقُولُ هـذَا: إِنَّ وَصِيَّةً سَبَقَ اللهُ
فأَقَرَّهَا، لا تُلْغِيهَا شَرِيعَةٌ جَاءَتْ بَعْدَ أَرْبَعِ مِئَةٍ
وثَلاثِينَ سَنَة، فَتُبْطِلُ الوَعْد.
18 وإِذَا كَانَ الـمِيرَاثُ مِنَ الشَّرِيعَة،
فَهُوَ لَمْ يَعُدْ مِنَ الوَعْد؛ والـحَالُ أَنَّ اللهَ بِوَعْدٍ أَنْعَمَ
بِالـمِيرَاثِ على إِبرَاهِيم.
19 إِذًا فَلِمَاذَا الشَّرِيعَة؟ إِنَّهَا
أُضِيفَتْ بَسَبَبِ الْمَعَاصِي، حَتَّى مَجيءِ النَّسْلِ الَّذي جُعِلَ
الوَعْدُ لَهُ. وقَدْ أَعْلَنَهَا مَلائِكَةٌ على يَدِ وَسِيطٍ، هُوَ مُوسى.
20 غيرَ أَنَّ الوَاحِدَ لا وَسيطَ لَهُ، واللهُ
واحِد!
21 إِذًا فَهَلْ تَكُونُ الشَّرِيعَةُ ضِدَّ
وُعُودِ الله؟ حاشَا! فَلَو أُعْطِيَتْ شَرِيعَةٌ قَادِرَةٌ أَنْ تُحْيي،
لَكَانَ التَّبْرِيرُ حَقًّا بِالشَّرِيعَة.
22 ولـكِنَّ الكِتَابَ حَبَسَ الكُلَّ تَحْتَ
الـخَطِيئَة، لِكَيْمَا بالإِيْمَانِ بيَسُوعَ الـمَسِيحِ يُعْطَى الوَعْدُ
للَّذِينَ يُؤْمِنُون.
(الرّسالة إلى أهل غلاطية – الفصل 3 - الآيات 15 إلى 22)
|
::: تأمّل من وحي الرسالة ::: |
في أحد البشارة تُكمِل
الكنيسة مسيرتها مع القديس بولس وهو يتكلّم عن وعد الله الذي أعلنه لإبراهيم
ونسله وهو المخلّص – المسيح. واليوم نتوقف مع نص من رسالة إلى أهل غلاطية.
يكتب بولس في جو مشحون من قبل المسيحيين ذوي الأصل
اليهودي الّذين يقاومون نشاطه الرسولي بين الوثنيين. فهم يُريدون فرض الشريعة
ومتطلباتها على الوثنيين كشرط لنيل الخلاص. فكان رد بولس واضحًا: لا خلاص إلا
من خلال الإيمان بيسوع المسيح.
في هذا المقطع، يستعين بولس بمثل بشري ليُفسِّر
وجهة نظره. فيطرح مسألة الوصية التي يضعها الأب لأولاده. هذه الوصية لا يستطيع
أحد ان يُبطلها او أن يُبدلها.
كذلك وعدُ الله لإبراهيم لا يُبطَل ولا يُبدَل ولو
حتى بالشريعة. فالشريعة أُعطيت بعد الوعد بواسطة موسى بسبب المعاصي. وهي إلهية
لكنها لا تحل مكان وعد الله لإبراهيم، ومن خلاله للبشرية جمعاء. وعدٌ بمجيء
يسوع المسيح. يسوع المسيح إبن العذراء هو إبن الوعد، نسل إبراهيم (لا أنسال)،
وهو البركة والخلاص لجميع الشعوب، والوسيط الوحيد بين الله والبشر.
إذًا، قصد الله لا يتحقّق إلا بالإيمان بيسوع
المسيح.
إن تعليم القديس بولس واضح :إن الخلاص يأتي من
الإيمان بيسوع المسيح. فلنتأمل بالنقاط التالية في مسيرتنا نحو الميلاد:
- ما هي الشرائع التي ما زالت تعترض مسيرتي نحو
إستقبال الرب يسوع في حياتي سيدًا ومَلَكًا عليها؟ هل أضع الكثير من القوانين
وأنسى العيش من خلال الروح القدس؟ فالحرف يقتل أما الروح فيُحيي. أهو عملي،
واجباتي، عائلتي، كسلي، فلسفتي الخاصة، كبريائي، توقي للحرية والإستقلالية....
؟ كلها شرائع مع أن بعضها مهم كالعمل والعائلة والواجبات، لكنها ليس عليها أن
تكون عائقًا للقاء الرب والإيمان به.
- كيف أنظر لوعد الله لإبراهيم؟ أأدرك أنه وعد لي
أنا أيضًا؟ وعدٌ يظهر مدى حبّ الله لي. وعدٌ بأنه سيخلّصني بل وخلّصني بدم إبنه
على الصليب.
- الإيمان بيسوع المسيح: نحن على مشارف ختام سنة
الإيمان ويبقى هذا الفعل "أومن" مسألة إنسانية، وجودية تفتح للإنسان أبواب
اللقاء بالله الذي هو حقًّا إلهٌ حي، حاضرٌ، فاعلٌ ويوفي بوعده لك.
فهل تؤمن؟
|
::: الإنجيـل ::: |
26 وفي الشَّهْرِ
السَّادِس، أُرْسِلَ الـمَلاكُ جِبْرَائِيلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِلى مَدِينَةٍ
في الـجَلِيلِ أسْمُهَا النَّاصِرَة،
27 إِلى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ
بَيْتِ دَاودَ أسْمُهُ يُوسُف، وإسْمُ العَذْرَاءِ مَرْيَم.
28 ولَمَّا دَخَلَ الـمَلاكُ إِلَيْهَا قَال:
"السَّلامُ عَلَيْكِ، يَا مَمْلُوءَةً نِعْمَة، الرَّبُّ مَعَكِ!".
29 فَإضْطَربَتْ مَرْيَمُ لِكَلامِهِ، وأَخَذَتْ
تُفَكِّرُ مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هـذَا السَّلام!
30 فقَالَ لَهَا الـمَلاك: "لا تَخَافِي، يَا
مَرْيَم، لأَنَّكِ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ الله.
31 وهَا أَنْتِ تَحْمِلينَ، وتَلِدِينَ إبْنًا،
وتُسَمِّينَهُ يَسُوع.
32 وهُوَ يَكُونُ عَظِيمًا، وإبْنَ العَليِّ
يُدْعَى، ويُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ عَرْشَ دَاوُدَ أَبِيه،
33 فَيَمْلِكُ عَلى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلى الأَبَد،
ولا يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَة!".
34 فَقالَتْ مَرْيَمُ لِلمَلاك: "كَيْفَ يَكُونُ
هـذَا، وأَنَا لا أَعْرِفُ رَجُلاً؟".
35 فأَجَابَ الـمَلاكُ وقالَ لَهَا: "الرُّوحُ
القُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وقُدْرَةُ العَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، ولِذلِكَ
فالقُدُّوسُ الـمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى إبْنَ الله!
36 وهَا إِنَّ إِلِيصَابَاتَ نَسِيبَتَكِ، قَدْ
حَمَلَتْ هيَ أَيْضًا بإبْنٍ في شَيْخُوخَتِها. وهـذَا هُوَ الشَّهْرُ
السَّادِسُ لِتِلْكَ الَّتي تُدْعَى عَاقِرًا،
37 لأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى اللهِ أَمْرٌ
مُسْتَحِيل!".
38 فقَالَتْ مَرْيَم: "هَا أَنا أَمَةُ الرَّبّ،
فَلْيَكُنْ لِي بِحَسَبِ قَوْلِكَ!". وإنْصَرَفَ مِنْ عِنْدِها الـمَلاك.
(إنجيل القدّيس لوقا – الفصل 1 - الآيات 26 إلى 38)
|
::: تأمّل من وحي الإنجيـل ::: |
فيما نحن ننتقل من بشارة زكريا إلى بشارة العذراء مريم،
نقوم بعبور من العهد القديم إلى العهد الجديد. وهذا الحدث أي بشارة مريم قد أضفى
ميزة على زمن الميلاد: فنحن نطلق على آحاد هذا الزمن إسم زمن البشارة.
من الواضح ان القديس لوقا أراد أن يوازي في كتابته بين
البشارتَين : بشارة زكريا وبشارة مريم. بدأ بتحديد المكان والزمان ووصف للشخصيات،
ثم ظهور الملاك، "لا تخف يا زكريا // لا تخافي يا مريم"، الرسالة من الله، وجواب كل
من الشخصيتين. لكن يظهر جليًّا سمو بشارة مريم على زكريا في الحوار بين الملاك
والعذراء، في الإبن المولود منها، وفي جوابها الجوهري "أنا أمة الرب".
في هذه البشارة عمل ثالوثي بحت: الآب يُرسل الملاك
ليُبشّر العذراء بحملها المسيح الإبن من الروح القدس. فمريم هي بحق إبنة الآب
وعروسة الروح القدس وأم الإبن.
- إنه إنجيل محبة: إنجيل محبة
الله للبشر التي تجلّت بالمداخلات الثلاث للملاك:
1- "السلام عليكِ يا مريم، يا ممتلئة نعمة الرب معكِ" :
الشكر لله الذي لا يتوقف أبدًا عن أخذ المبادرات مع البشر. وهذه المبادرة هي التي
غيّرت وجه الأرض وتوجُّه الوقت. إنه المبادر الأول مع الإنسان. وها الملاك يزور
مريم ويُفيض السلام عليها، ويكشف لها تدبير الله منذ ولادتها، هي الـ"ممتلئة نعمة"،
هي التي وُلدت من دون خطيئة وهذا ما أكّدته الكنيسة في عقيدة "الحبل بها بلا دنس".
2- " لا تخافي يا مريم" : لا شيء يدعو للخوف، فالله لا
يُعطي ولا يفيض إلا الخير. لا تخافي فمشروع الله الخلاصي وتدبيره منذ خلق العالم ها
قد وصل إلى قِمته معكِ. فأنتِ ستلدين الإبن وتسمينه يسوع أي الله معنا. نعم إن الله
معنا، حاضر وفاعلٌ وها هو يفعل. ها إن العهد الجديد يبدأ بدخول كلمة الله في صميم
البشرية، ليخلّصها من عبودية الخطيئة. الكلمة صار بشرًا ليجعل البشر متحدين
بالألوهة: هذا هو تدبير الله.
3– "الروح القدس يحل عليكِ" :إن الله يملك دائمًا الحل
لكل شيء. "ليس على الله أمر مستحيل". إنه الروح القدس الذي سيحل على مريم. وعكس
زكريا، أعطاها الملاك علامة لم تطلبها. فالله يهدّﺉ النفس المتواضعة ويعطيها كل
العذوبات التي هي بحاجة لها.
- وهو إنجيل محبة: إنجيل محبة
مريم لله التي ظهرت في مواقفها الثلاث:
1 – "إضطربت مريم لكلامه وأخذت تفكر..." : من الطبيعي
والمهم جدًا أن نتوقف أمام هكذا كلام، أمام هكذا سلام. إن مشكلة كل مسيرة إيمانية
أننا لا نعطي الوقت الكافي لنفكر في ما يُطرح علينا أو بالأحرى لا نكون على إستعداد
لسماع صوت الله في حياتنا. مريم كانت مستعدة، جاهزة، على تواصل تام مع الرب هي
الممتلئة نعمة. وكمؤمنة حقيقية صادقة أخذت تفكر في سلام الملاك لها وما معنى كلامه.
والإضطراب ما هو إلا ادراك المؤمن لحضور إلهي، ووعي لمبادرات الله مع البشرية.
2 – "كيف" : من المهم أن نميّز بين جواب زكريا وجواب
مريم.
الأول أظهر قلة إيمان بما يُطرح أمامه، "بما أعرف هذا"،
هو يريد علامة، هو الكاهن الشيخ الذي يعرف التوراة ويعلّمها. هذا الإيمان الذي ضعُف
مع السنين كان الصمت دواءه الوحيد لتجديده.
أما مريم فسؤالها هو مبادرة منها لتساعد على إيجاد
الحل. إنها غير متزوجة فكيف يكون ذلك؟ إنه جواب مؤمنةٍ : طرح الملاك عرضه وهي
بحرارة القلب تقول: أريد أن ألبي كل رغبة لربي وسيدي، أن أكون جزءً من مشروعه، فقُل
لي كيف يكون هذا؟
3 – "أنا أمة الرب، فليكن لي بحسب قولك" : جوابٌ نتيجةٌ
لمسيرة إيمان عميقة وثابتة بالرب. لا يُمكن لأحد أن يجاوب هذا الجواب التاريخي ما
لم يكن على إتحاد بالله إتحادًا روحيًّا وعلى تواصل مستمر معه. بجوابها، غيّرت مريم
مجرى التاريخ ومنها دخل الله عالمنا ليُخلصنا ويُدخلنا عالمه.
إذًا، ماذا تقول؟ ليس من
السهل إستيعاب ما حدث لكننا نؤمن به. إنها بشارة لي ولك اليوم. إنها البشارة أنك
محبوب من الله لدرجة أنه أرسل إبنه إلينا. إنها البشارة أنك جزء لا يتجزأ من تدبير
الله الخلاصي.
من الآن حتى الميلاد لنعمل على هذه النقاط:
- إن الله يحبني ويريد خلاصي.
- هل أسمع نداءه لي: أريدك. يتطلب هذا إتحادًا بالله أي
البقاء على تواصل يومي به.
- ماذا أجاوب: إن مريم هي مثال لكل مؤمن، فهل أفعل
مثلها؟ فجوابي مهم وحتمًا سيغيّر في التاريخ: تاريخي الشخصي وتاريخ الكثيرين من
حولي.
|
::: تـــــأمّـــل روحي ::: |
نار النِّعَم!
كلّما إقترب زمن الميلاد
كلّما شعرنا بالبهجة أكثر من تفكيرنا بهدفه الخلاصيّ، وكأنّه زمنٌ مرهونٌ فقط
بأحاسيس وعواطف لقصّةٍ جميلة تتلاشى مفاعيلها مع إنتهاء العيد! هو ليس بحدثٍ يُتِمّ
فيها البطل مهمّته وتنتهي هناك ليبدأ بأخرى، بل هو قصةّ البشرية الّتي لا نهاية
لها، لا على الأرض ولا في السماء. هو بزوغ فجر الحياة الّتي تبدأ مع "نَعمِ نا" كما
كانت "نعم" مريم للآب، فتعبر بالقبر كي تخرج إلى الأبديّة بلقيا العريس في المجد
الأبدي.
في تأمّلنا لبشارة مريم وحملها تأخذنا الأفكار إلى
حنينٍ بعيد نحسبه من الماضي، فترتسم أمامنا صورة مريم الفتاة المصلّية المنتظرة
برجاءٍ كبير مجيء المخلّص، الصبية الجميلة الخُلق والخَلْق، الطاهرة النقيةُ الفكر
والجسد، المتواضعة الطيّعة لكلمة الله. حنين يجعلنا نتحسّر على أبناء وبنات جيلنا
اليوم: كلّها قلّت لا بل إنقرضت، فأين نحن منها؟ أين رجاؤنا بالخلاص؟ كم وكيف نعيش
الإنتظار، هذا إذا كنّا نرجوه؟ ويأتي الجواب مُطمئنًا لكلّ الأجيال: "لا تخافي يا
مريم"، "لا يكون لملكه إنقضاء..."، "أليصابات التي تدعى عاقرًا هي حُبلى بإبنٍ في
شيخوختها...".
ربّما نبرّر خوفنا بضرورة تحّول حياتنا إلى الجدّية في
إنتظار حدث الميلاد الجديد فينا، صحيح، لإنّنا لا نتحلّى بالشجاعة الكافية لإتّخاذ
القرار في سلوك الدرب القويم، نفتقد إلى الرجاء بكلّ ما للكلمة من معنى، ينقصنا
الإيمان الكافي، ليس ذاك الّذي ينتهى عند باب الكنيسة أو عند شجرة الميلاد وتِبْنِ
المغارة؛ اليوم وأكثر من أيّ يومٍ مضى، نحتاج إلى الثقة بالّذي تجسّد ووُلد من حشا
إمرأةٍ منّا، عرفتْ كيف تثق بالله، عرفت كيف تحبّه وتنتظر حلوله فيها بروحه قبل
الحشا، عرفت كيف تختار الأفضل وهي ما زالت يانعة، فنالت الحظوة عنده وأتاها بمجدٍ
عظيم! وحّتى أليصابات، فمن يباسها أخرج الحياة، ومن ظلمة أغسطينوس أخرج القيس، ومن
إضطهاد شاوول وتحجّر قلبه أخرج الرسول الأممي، ومن مجون السكّرين والخاطئين أخرج
التائبين والمكرّسين والطوباويّين، لأنّهم قبلوا دعوته حين ناداهم وأجابوا: "نعم".
منذ بشارة مريم وحتّى اليوم لم يتغيّر شيءٌ في مشروع الله لكلٍّ منّا. ولم تتغير
الوسيلة. تغيّر الإطار الخارجي الإجتماعي التواصلي والتطوّر العلمي...، إنّما كلمته
هي هي وروحه هو هو ووعده هو هو: "لا يكون لملكه إنقضاء".
هل ما زلنا خائفين من القرار في الإختيار؟ وهل ما زال
البرقع يحجب عن أعيننا نور الله الّذي ينتظر نَعَمنا كي يبدأ بالظهور في حياتنا؟ هل
طريقة عيشنا للكلمة تغيّرت؟ لقد تغيّر إطارها، كما ذكرت، لقد أصبح أكثر حداثة كي
يتماشى مع العصر الحالي، وله الألوان الّتي تتناسب والجيل الجديد، لكنّ جوهرها لم
ينتقص، لم يتبدّل ولم ولن يتماشى ويساير النظريات الكثيرة المختلفة ولا الأحاسيس
الشخصية أو فكر العالم "المتحضّر" بين هلالين لهذا المفهوم الإستنسابي. عيشها هو
الغوص في العمق، هو تحويل الأنا إلى أنت وأنا، هو قبول "نار النّعم" بتواضعٍ كي
يحلّ، كما في مريم، حبّ الإبن فينا، فيشكّل في أعماقنا ملامحه القدّوسة بروحه
القدّوس، عندها ندخل في رائعة السلام الّتي من أجلها قالت مريم: "ها أنا أمة للرّب،
فليكن لي بحسب قولك".
|
::: تـــــأمـــل وصلاة ::: |
ربي وإلهي ... كم مرّة
عليّ أن أقرأ ما كتبه القديس بولس في رسالته لأهل غلاطية بوحي مِن الروح القدس
لأفهم أهميّة الرب يسوع المسيح لخلاصي؟! أنتَ هو مَن أراد ذلك، وأنت هو الّذي
شرّع كل شيء لكي لا يكون خلاص سوى بالإيمان بالرب يسوع. وها أنا الآن أقف أمام
معضلة كبيرة: لماذا لا أهتم بنشر البشرى السارة؟ لماذا لا أحبّك فوق كلّ شيء
كما أحبّتك العذراء مريم، وأقول "لتكن مشيئتك" وإن كان الأمر الّذي تطلبه مني
قد يُكلّفني حياتي؟ التفسير الّذي أعطاه الملاك جبرائيل لم يُطمئن قلب العذراء
إذ أنها ستُصبح حامل من دون رجل فتُرجم، ومع ذلك قلبها المملؤ بالمحبة والسلام
والثقة قَبِل. ما هذا القلب الّذي بداخلي؟ ألم يمتليء بعد مِن حبّك وحبّ
الآخرين؟
ربي وإلهي ... إملأني نعمة، ولك الشكر الجزيل،
آمين.
|
::: نوايا وصلاة شكر للقدّاس ::: |
نوايا للقدّاس
1- (المحتفل) مِن أجلِ الكنيسة والمسؤولين فيها، خاصَّةً مار فرنسيس بابا روما، ومار بشارة بطرس بطرِيَركِنا الأنطاكيّ، وأبينا مار نصرالله، ومار جورج مُطراننا مع الأساقِفَة والكَهَنَة والمُكَرَّسينَ على إسمَك القدّوس، كَي يَعيشوا السلامَ في نَشرِ البِشارة وإعلانِ الخَلاص، نسألك يا رَب.
2- كَمَريَم، أعطِنا أن نُؤمِنَ بالنِعَمِ الَّتي تَمنَحُنا إيَّاها، وأن نَثِقَ بِأنَّنا قادِرونَ، بك ومعك، أن نتفاعلَ معها، فَنَقوى على الجَشَعِ والطَمعِ والخِيانةِ والغيرة، ثابِتينَ بكَ، مُمَجِّدينَ إسمَكَ، نسألكَ يا رب.
3- كما وعَدتَ إبراهيم بِتَكثيرِ نسلِه، وحقَّقتَ وعدَك له رُغمَ شَيخوخَته، أعطِ وَعدَك لِكلِّ مُتَزَوِّج بِتَكثيرِ نَسلِهِ، فَيَتحقَّق الوعدُ رُغمَ كلِّ الصُعوبات، نسألك يا رب.
4- نَضَعُ أمامكَ جميعَ المَرضَى، وخاصَّةً ذَوي الأمراضِ المُستَعصِيَة والمُميتة، كُن لَهُم العَزاءَ وإمنَحهُم الرَجاءَ والأمَلَ بالشِفاء، وإزرعِ الحُبَّ والرَأفة بِمَن يُحيطُهم، فَيُعامِلوهم بِصَبرٍ وتَضحيَة، نسألكَ يا رب.
(المحتفل) نَضَعُ أمامكَ كلَّ مَنِ إنتَقَلَ مِن هذه الحَياة، لا تَنظُر إلى آثامٍ إرتكبوها عن قَصدٍ أو بِغَيرِ قَصد، بل أنظُر إلى وَعدِك بالخلاص، وإلى مَوتِ وقيامةِ إبنِكَ لِتَحقيقِ هذا الوَعد، غافِرًا لنا ولهم الخطايا والزلاّت.
صلاة شكر للقدّاس
لأنّك إلهٌ يَصدقُ بِوُعودِهِ،
لأنّك إلهٌ يَثِقُ بِشَعبِهِ،
لأنَّك إلهٌ كريمٌ، يَمنحُنا النِعَمَ في أوانِها،
نشكرك،
أحبَبتَنا، وتَجسَّدتَ لأجلِ خلاصِنا في حَشا عذراءَ
طاهِرة،
وها أنتَ اليَومَ، تَنموَ في قلوبِنا، بِتناوُلِنا
جسدكَ المُقَدَّس وسَماعِنا كلمَتَك المُحيِيَة،
نشكرُك، نحمدُك، ونمجِّدُك، مع أبيكَ، وَروحِكَ
القدّوس، من الآن وإلى الأبد، آمين.
|
الأيقونة
المقدّمة والصلاة مع المراجعة العامّة من إعداد
الخوري نسيم قسطون
أفكار من الرّسالة وأفكار على ضوء الإنجيل
التأمّل الروحي من إعداد
السيدة جميلة ضاهر موسى https://www.facebook.com/jamileh.daher?fref=ts
تأمّل وصلاة - تدقيق
السيّدة نيران نوئيل إسكندر سلمون https://www.facebook.com/nirannoel.iskandarsalmoon
نوايا وصلاة شكر للقدّاس |