الاب لويس وهبه
دور الوجود المسيحي في لبنان والشرق الأوسط
إنه لموضوع بالغ الأهمية والإلحاح.
ما هو دور المسيحيين، ما هو دور المسيحيين الموارنة، ما هو دور المسيحيين الكاثوليك
والأورثوذكس في لبنان وفي سائر بلاد المشرق، وأيضاً ما هو دور المسيحيين الشرقيين
ولاسيما اللبنانيين منهم في بلاد الإغتراب حيث تكاثر عددهم في السنوات الأخيرة ولا
يزال يتكاثر؟
ما معنى وجودي أنا كمسيحي كاثوليكي ماروني في لبنان أو في بلدان الشرق؟ وهل عليّ أن
ألعب دوراً معيّناً ؟ هل عليّ أن أتحمّل مسؤوليةً ما في مصير الكنيسة ورسالتها، في
مصير وتطوّر المجتمع المشرقي على اختلاف طوائفه ودياناته وعقائده ؟ هل يعود إليّ
دورٌ يتوجّب عليّ ويحقّ لي أن ألعبه في مجتمع حيث أُعايش يومياً أخوةً، زملاء عمل
أو مواطنين ينتمون إلى كنائس مسيحية أخرى كاثوليك، أورثوذكس، بروتسطانت، أو إلى
مذاهب وديانات أخرى كمسلمين على اختلاف طوائفهم، أو كيهود الذين يتجاوز اليوم عددهم
الخمسة ملايين على أرض الشرق الأوسط ؟
من منكم، مَن منّا لا يجد نفسه أمام هذه التساؤلات وغيرها ؟
أسئلة تتطلّب منّا أجوبة واضحة وموقفا صريحاً نابعاً عن وعي ومسؤولية وعقيدة. وإلاّ
لجأنا الى الهروب من المسؤولية، وبالأخص فيما يتعلّق بعقيدة الإنسان ومعنى وجوده.
الهروب هنا يعني خيانة.
إن الأحداث المأساوية التي جرت في السنوات الأخيرة ولا تزال تجري حاليا في لبنان
وفي الأرض المقدسة وفي العراق، مع ما يرافق ذلك من تطوّرات خطيرة على الارض ونزوح
عددٍ هائل من السكّان، لاسيما المسيحيين منهم، إن تلك الأحداث تدل على أهمية هذه
البقعة من الارض وموقعها الاستراتاجي إن كان في المجال الحضاري أو الإقتصادي او
السياسي او الديني. وهذا ما دفع البابا الحالي يوحنا بولس الثاني لعقد مجمع أسقفي
دولي خاص من أجل لبنان، ذلك المجمع أو السينودس الذي تُوِّج بالإرشاد الرسولي الذي
وقّعه قداسة البابا في لبنان أثناء زيارته.
هذا ما دفع الكنيسة المارونية لعقد مجمع أو سينودس لبحث كافة الأسئلة والتحديات
التي يواجهها المجتمع الماروني في عصرنا، ولوضع حيِّز التنفيذ محتويات الإرشاد
الرسولي الناتج عن السينودس من أجل لبنان.
إن الإجابة على السؤال: ما هو دور المسيحيين الشرقيين، ما هو دور الموارنة في عالم اليوم وخصوصاً في بلدان الشرق الأوسط، إن الجواب على هذا السؤال يفترض أجوبة على أسئلة أٌُخرى: مَن نحن ؟ أَين نحن ؟ مع مَن يجري حوارنا ؟
أريد التوقّف لحظة عند هذه النقاط الأولية. وهذه النقاط هي فعلا أساسية ومن المستحيل القيام بإداء رسالتنا ما لم نُعطِ هذه الأسئلة حقها من الجواب.
إن الشرط الأساسي لأي حوار ما هو أن أعرف بوضوح هويتي. أنا مسيحي. ماذا يعني ذلك ؟
بماذا تميّزني هويتي المسيحية عن الناس غير المسيحيين ؟ السؤال الأساسي هو، حسب
تعبير الأب Varillon : « Qu’est-ce que le christianisme m’apporte d’absolument
unique et irremplaçable ? » أي ما هو الفريد في المسيحية وغير قابل لأي تفاوض أو
بديل على الإطلاق ؟ إذا لا أستطيع الإجابة على هذا السؤال فلا حاجة عندئذٍ للإجابة
على ما هو الدور المسيحي في الشرق، السؤال الذي نحن بصدده الآن.
أي شيء يميّز الدين المسيحي عن سائر الديانات والمعتقدات ؟ الجواب
أعطانا إياه يسوع المسيح ذاته بقوله : "مَن رآني رأى الآب" ( يوحنا 14/9﴾ . المسيح
وحده دون سواه، بصفته إله كامل وإنسان كامل، كشف لنا عن موقف الله منّا وبالتالي
كشف لنا عن معنى كياننا ووجودنا ومصيرنا : أعني أن نحيا حياة الله. عندما أتقبّله
كما هو أسلّمه ذاتي وأنظر الى العالم وإلى البشر كما ينظر هو إليهم. هذا ما عبّر
عنه بولس الرسول في رسائله الى المسيحيين الأولين حيث قال : " أنتم جميعاً أبناء
الله، بالإيمان بالمسيح يسوع، لأنكم أنتم جميع الّذين اعتُمدوا للمسيح، قد لبستم
المسيح. فليس بعد يهودي ولا يوناني، ليس عبدٌ ولا حر، ليس ذكر وأنثى، لأنكم جميعاً
واحد في المسيح يسوع" (غلاطية 3/26-28﴾ . ويطلب بولس من المسيحيين : "ليكن فيكم من
الإستعدادات (أو الأفكار أو الشعور﴾ ما هو في المسيح يسوع " ( فيليبي 2/5 ﴾.
بكلام آخر، إن شئنا الأمانة والصراحة والمنطق عندما نجاهر بمسيحيتنا، ما علينا إلاّ
أن ننظر الى المسيح ونتبنّى مواقفه عندما نتساءل عن موقفنا من سائر الناس، إن كان
في بلدان الشرق أو في الإغتراب.
عندما ننظر الى ما حولنا من هذا المنظار، أعني من أعلى تلة الجلجلة حيث المسيح بسط زراعيه ليضمّ كل البشرية دون استثناء، عندئذٍ يسهل علينا معرفة ما هو دورنا وكيف نقوم به.
هنا أرى أوّل استنتاج جدير لأن يؤخذ بالإعتبار :
* علينا في بادئ الأمر أن نتعرّف على ديانتنا المسيحية، أن ندرسها، أن نتعمّق فيها،
أن نتعرّف على أصولها، على مبادئها العقائدية والأخلاقية.
* علينا أن ندرس التاريخ المقدّس أي تاريخ الخلاص، أي تاريخ مغامرة الله مع البشر
التي تُوِّجَت بمجيء المسيح وعمل الفداء. علينا أن ندرس بطريقة جدّية الكتاب
المقدّس في عهديه القديم والجديد، ولا نكتفي بتناقل بعض المعلومات السطحية التي
يتناقلها الجهّال، فلا يستفيدون ولا يفيدون غيرهم. لماذا لا ندرس اللغتين العبرية
واليونانية، لغّتَي الكتاب المقدّس ؟ فلن نكتفي بقراءة سطحية لأي مقطع دون الإجتهاد
لفهم المعنى المقصود ؟
* علينا أن نكرّس جهداً وافراً للإطّلاع على تعليم الكنيسة. أعتقد من الضروري أن
يحصل كل منا على نسخة من كتاب " تعليم الكنيسة الكاثوليكية" الذي صدر مؤخّراً
ونعيره الجهد الكافي للتعرّف على عقيدةنا المسيحية. ( يمكن إقتناء هذا الكتاب من
كاتدرائية مار مارون ﴾.
* علينا أن ندرس تاريخ الكنيسة كَكُل وخصوصاً تاريخ كنائسنا : نشأتها، نموّها،
إزدهارها، دورها في تاريخ الشرق، تاريخها الديني والحضاري والسياسي، تاريخ أبنائها
القديسين، شهداء، معترفين، نسّاك، رجالات علم وفن...
* علينا أن ننفتح على الآخرين ونحترمهم ونجلّ قيمهم الروحية والإنسانية والحضارية،
أن نحاول ونسعى للحصول على معرفتهم معرفة صحيحة دقيقة غير مبنية على الأساطير التي
من شأنها أن تدفعنا لإذلال الآخرين.
* علينا أن ننظر للآخرين، سواءً كانوا مسيحيين من غير كنائس، أو كانوا مسلمين أو
يهوداً، أو ملحدين، علينا أن ننظر إليهم كما ينظر المسيح، نظرة حبّ، انفتاح، احترام،
تضامن في جميع المجالات المشتركة بيننا، دون أن نتخلّى عن أيّ حرفٍ أو نقطة من
عقيدتنا وهويتنا، متجنّبين كل اختلاط في العقائد، متجنبين أي تنازل عمّا هو جوهري
في عقيدتنا. يفترض ذلك منا ان نعرف التمييز جيدا في أي مجال أو حقل يمكن ويجوز
المساومات والتفاوض، وفي أي نقاط وعناصر لا يحق لنا التفاوض او التنازل.
هنا، كبرنامج عمل، أكتفي بطرح لائحة ملخّصة للمواضيع التي من
الضروري جدا معرفتها كشرطٍ أساسي لمعرفة هويتن، الأمر الذي يمكّننا من القيام
بدورنا كمسيحيين في لبنان، في بلاد الشرق وأيضاً في بلاد الإغتراب :
1﴾ التعرُف على ديانتنا المسيحية:
1.1 الكتاب المقدس في عهديه القديم والجديد.
1.2 تعليم الكنيسة العقائدي والأدبي
2﴾ التعرُف على كنائسنا : تاريخها، تراثها الروحي والثقافي والحضاري.
3﴾ التعرُف على سائر المذاهب الأخرى التي نعايشها :
3.1 سائر الطوائف المسيحية، ما يجمعها وما يميّزها أو يفصلها عن بعضها البعض
3.2 معرفة علمية صحيحة نزيهة للإسلام وطوائفه، بعيداّ عن الأساطير الشعبية
3.3 معرفة الدين اليهودي لأن لا يحق لنا تجاهله، فالوجود اليهودي أصبح جزءًا لا
يتجزّأ من الواقع المشرقي
4﴾ معرفة مجتمعنا الحضاري والسياسي الحالي في شرق اليوم.
5﴾ معرفة وجودنا في بلاد الإغتراب : إحصاءات، وسائل للحفاظ على العلاقات، وسائل
من أجل الحفاظ والدفاع عمّا يجب الحفاظ عليه من تراثنا. معرفة إلى أي حد وكيفية
الإندماج في مجتمع الإغتراب، بغية القيام بدورنا كسائر المواطنين من غير أصل أو
عرق أو حضارة.
تلك هي الخطوط العريضة - وليست شاملة – لبرنامج أساسي من شأنه أن يجعل المسيحيين في لبنان وفي سائر بلاد انتشارنا أهلاً للقيام بدورهم وللشهادة المسيحية التي هي من صلب كيان كل مسيحي.
14 آذار 2004
الاب لويس وهبه
Pere Louis Wehbeh ocso