اللجنة الحبرية عدالة وسلام
الكنيسة في مواجهة العنصرية لأجل مجتمع
أكثر أخوّة
(الفاتيكان 1988)
1- تمهيد
إن الإدعاءات العنصرية أو التصرفات العنصرية لا تزال تعكّر العلاقات بين الأفراد والجماعات البشرية والدول. والرأي العام يتأثر بها كل يوم أكثر. والضمير الأدبي، من جهته، لا يمكن أن يرضى بها، ولا بوجه من الوجوه. والكنيسة حسّاسة، بنوع خاص، لهذا الموقف التفريقي : ولا غرو، فالبلاغ الذي اقتبسته من الوحي الكتابي يؤكّد بحزم كرامة كل إنسان مخلوق على صورة الله، ووحدة الجنس البشري في تصميم الخالق وديناميّة المصالحة بالمسيح الفادي الذي هدم حاجز الكراهية القائم بين العوالم المتنازعة (1)، لكي يجدّد في ذاته كل الخلائق البشرية.
لذلك عهد الأب الأقدس إلى اللجنة الحبرية " عدالة وسلام بالمساهمة في تنوير الضمائر وحثـّها صوب هذا الرهان الكبير : تبادل الاحترام بين المجموعات الإتـْـنية والعرقية وتعايشها الأخوي. وهذا يفترض تحليلا ً بصيراً للأحداث المعقدة، ماضيا ً وحاضرا ً، وحكما ً سويّا ً في الثغرات الأدبية أو المبادرات الإيجابية، في ضوء المبادئ المسلكية الأساسية والبلاغ المسيحي. فالمسيح قد فضح الشر إلى حدّ المخاطرة بحياته. وقد فعل ذلك لا ليدين بل ليخلـّص. وفي إثره، يوجس الكرسي الرسولي واجب التنديد، نبويّا ً، بالأوضاع المؤسفة، ولكنه يحترز من الطعن في الأشخاص أو انتباذهم : وإنما يريد مساعدتهم في الخروج من هذه الأوضاع عبر جهود معلومة وتدرّجية. وهو يرغب، بواقعيّة، أن يعّزز الرجاء بتجدد لا يزال ممكناً، وأن يقترح توجيهات راعوية مناسبة، للمسيحيين ولجميع الصّلاح المهتمين لهذه الأهداف.
والهدف الأول لهذه الوثيقة إمعان النظر في ظاهرة العنصرية بمعناها الحصري. بيد أنها تبحث أيضاً بطريق العَرَض، في بعض المظاهر الأخرى ( المواقف الصدامية، التعصب، الإدعاءات....) بمقدار انتسابها إلى العنصرية أو احتوائها على جوانب عنصريّة. وهكذا، في ضوء الموضوع الأساسي، تـُبرز الوثيقة ما هناك من وشائج بين بعض النزاعات وادعاءات عنصرية.
الجزء الأول
التصرّفات العنصرية عبر التاريخ *
2- ليست الإيديولوجيات والتصرفات العنصرية من أمس : إنها متأصلة في واقع الخطيئة منذ البدايات البشرية، على حد ما يبيـّنه لنا الكتاب المقدّس من خلال القصص المتصلة بقايين وهابيل وببرج بابل.
تاريخياً، الادّعاء العنصري بمعناه الحصري، أي من حيث هو شعور بالتفوق البيولوجي لعرق أو لإتـْنية على أخرى، قد نما خصوصاً منذ ممارسة الاستعمار والاستعباد في مطلع العصر الحديث. فإذا استعرضنا تاريخ الحضارات الكبرى السابقة، سواء في الغرب أم في الشرق، في الشمال أم في الجنوب، نعثر منذ ذاك الحين على تصرفات اجتماعية مجحفة وتفريقية ولكنها ليست دائماً عنصرية بالمعنى الصحيح.
فالعصور اليونانية الرومانية القديمة، مثلا ً، لا يبدو أنها عرفت الادعاء العنصري. كان اليونان ولا شك، على يقين من تفوّق حضارتهم الثقافية، ولكنهم لم يعتبروا الشعوب الملقّبة "بالبربرية " أدنى منهم رتبة لأسباب بيولوجية جـِبـِلية. لا ريب أن العبودية كانت تفرض على كثير من الناس وضعا ً زريّا ً : لقد كانوا في نظر مواليهم "أشياء" يتصرفون بها على هواهم، ولكنهم كانوا في الأصل وفي معظم الأحيان أبناء شعوب مغلوبة في الحرب، لا أقواماً مزدرين بسبب عرقهم.
الشعب العبراني وعى إلى حد فريد – بشهادة كتب العهد القديم – حب الله له في شكل ميثاق مجاني بين الله وبينه. فبهذا المعنى وبصفته موضوع اصطفاء ووعد، بات مفروزاً عن الشعوب الأخرى. ولكن مبدأ الفرز إنما هو قصد الخلاص يحققه الله في التاريخ.
لقد اُعتبـِر إسرائيل، بين سائر الشعوب (2)، حصة الله الخاصة. ولم يكن للشعوب الأخرى، في تاريخ الخلاص موقع ملحوظ دائماً بوجه جليّ، في بادئ الأمر، لا بل كانت هذه الشعوب هدفاً للتجريح في الكرازة النبوية، وذلك بمقدار تمسكها بالوثنية. ولكنها لم تتعرض لا لتحقير ولا للعنة إلهية بسبب تميّزها العنصري. لقد كان مقياس التفرقة دينياً وكان قد بدأ يلوح شيء من ملامح الشمولية.
بحسب تعليم المسيح – الذي كان على شعب العهد القديم أن يُعدّ البشرية له – الخلاص مُشرع للجنس البشري برمته، لكل خليقة ولكل الشعوب (3). وكان المسيحيون الأولون يأنسون إلى أن يرى الناس فيهم شعب " العرق الثالث " على حد تعبير لترتليانوس (4). ولكن لا بالمعنى العنصري، كما هو واضح، بل بالمعنى الروحي لشعب جديد يلتقي فيه وقد تصالحا في المسيح العرقان البشريان الأولان من ملحظ الدين، أي اليهود والوثنيون. وكان العصر الوسيط المسيحي هو أيضاً يميز الشعوب مسيحيين ويهودا طبقاً لمقاييس دينية. وبسبب ذلك وضمن الأقطار المسيحية واجه اليهود أحياناً كثيرة وقد باتوا شهود العناد الرافض للإيمان بالمسيح ألواناً خطيرة من الإذلال والاتهام والتحريم.
3- مع اكتشاف العالم الجديد تبدّلت المواقف. والواقع أن أول موجة كبيرة من الاستعمار الأوروبي رافقها إتلاف جسيم للحضارات المحلية واستعباد فظّ لشعوبها. ولئن ثبتت براءة البحارين الكبار في القرنين الخامس عشر والسادس عشر من الادعاءات العنصرية، فالجنود والتجار لم يأخذوا بمثل هذا الاحترام : لقد قتلوا لكي يستوطنوا واستعبدوا ليستغلوا عمل "الهنود" ثم السود، ولكي يبرروا أنفسهم طفقوا يجهّزون النظرية العنصرية.
لم يبطئ الباباوات في الرد، ففي 2 حزيران 1537 أصدر البابا بولس الثالث براءته Sublimus Deus وفيها شجب للقائلين "بأن سكان المناطق الهندية الغربية والقارات الجنوبية... يجب أن يُعاملوا معاملة البهائم العجم ويُستعملوا فقط في منفعتنا وخدمتنا". وقد أكد البابا بطريقة رسمية : "رغبة منا في معالجة الشر الواقع، نقرر ونعلن أن المدعوين "هنودا" وكذلك جميع الأقوام الآخرين الذين قد تتعرف بهم المسيحية في المستقبل، لا يسوغ أن يُحرموا حريتهم وأرزاقهم (5) – بصرف النظر عن المزاعم المعاكسة – حتى وإن لم يكونوا على الدين المسيحي، بل بالعكس يجب أن يُترك لهم التمتع بحريتهم وأرزاقهم". تلك كانت، في وَضَحها توجيهات الكرسي الرسولي مع أن وضعها موضع التنفيذ لم يلبث أن اعترضته لسوء الحظ ظروف معاكسة. ولقد ذهب أوربانوس الثامن في ما بعد إلى حد الرّشق بالحرم ملاّكي العبيد "الهنود".
هناك أيضاً لاهوتيون ومرسلون كانوا من جهتهم قد أخذوا على عاتقهم حماية السكان المحليين. منهم برتولومي دي لاس كازاس. وكان جندياً فأصبح راهباً دومينيكانياَ ثم مطراناً. وقد انبرى بعزم للدفاع عن الهنود، وتبعه في ذلك عدد كبير من المرسلين الآخرين، فاستدرج حكومتي اسبانيا والبرتغال إلى نبذ النظرية القائلة بأن "الهنود" هم في منزلية بشرية منحطة، وفرْض تشريع حمائي استفاد منه نوعاً ما، بعد قرن، العبيد السود المستقدمون من أفريقيا. إن ما قام به لاس كازاس هو من أولى المساهمات في نظرية الحقوق الشاملة للإنسان المبنية على كرامة الشخص، بمعزل عن انتسابه الإتني أو الديني. وقام في إثره اثنان من كبار اللاهوتيين والقانونيين هما فرنشسكو دي فيتوريا وفرنشسكو سواريز، من الباحثين الطليعيين في حق الجماعات، فطوّرا نظرية المساواة الأساسية لجميع الناس وجميع الشعوب. بيد أن ارتهان الإكليروس ارتهاناً وثيقاً بسلطة أرباب العمل في العالم الجديد، لم يتح دائماً للكنيسة باتخاذ القرارات الراعوية الواجبة.
4- في هذا الإطار من الاحتقار العنصري – مع أن حافزه الأهم كان الحصول على يد عاملة بخسة – لا يمكن أن نغفل هنا ذكر الرقيق الأسود، يُشترى بالمال ويُستقدم بمئات الألوف، من أفريقيا إلى الأميريكات الثلاث، وكانت طريقة القبض عليهم ونقلهم بحيث كانوا يهلكون بأعداد كثيرة، حتى قبل إبحارهم أو وصولهم إلى العالم الجديد. هناك كان نصيبهم القيام بأشق الأشغال، دأبهم عملياً دأب العبيد.
هذه التجارة ابتدأت منذ سنة 1562، والرّق الذي أفضت إليه كان لا بدّ أن يستمر قرابة ثلاثة قرون. وهنا أيضاً تصدى الباباوات وبعض اللاهوتيين لهذه الممارسة، إلى جانب الكثير من الأنسيين* وقد شجبها بشدة لاون الثالث عشر في رسالته العامة In plurimis، في 5 أيار 1888، وقد هنأ فيها بلاد البرازيل في إثر الغائها للرّق. وتُوافق وثيقتنا هذه الذكرى المئوية لهذه "البراءة " الشهيرة. ولم يتردد البابا يوحنا بولس الثاني، في خطابه إلى المثقفين الأفارقة في ياونده (13 آب 1985). في الإعراب عن أسفه لمشاركة بعض أفراد من الدول المسيحية في المتاجرة بالرقيق الأسود.
5- ولم يخلُ الكرسي الرسولي – وهمّه السعي إلى مزيد من الاحترام للشعوب المحلية – من الإلحاح على ضرورة التمسك بدقة بالتمييز بين عمل التبشير والأمبريالية الاستعمارية، خوفاً من أن يقع اللبس بينهما. وفي هذا التوجه أ ُنشئ المجمع المقدس لنشر الإيمان سنة 1622. وفي سنة 1659 وجه هذا المجمع " إلى النواب الرسوليين المبحرين إلى المملكتين الصينيتين في طونكين وكوشنشين "، رسالة توجيهية تبين موقف الكنيسة من الشعوب التي كان في مقدرورها آنذاك أن تحمل إليها الإنجيل(6).
ولكن حيث لبث المراسلون أشد ارتهاناً بالسلطات السياسية، بات أعسر عليهم أن يضعوا حدّاً لمسعى التسلّط عند المستعمرين، لا بل كانوا لهم أحياناً من المحرّضين، وذلك باللجوء إلى تفسيرات مزيّفة للكتاب المقدس (7).
6- في القرن الثامن عشر، اختـُلقت ايديولوجية عنصرية متكاملة على نقيض التعليم الكنسي وعلى تباين أيضاً مع التزام بعض الفلاسفة الأنسيين بالدفاع عن كرامة الرقيق الأسود وحريته، وكان عرضة آنذاك لنخاسة مُخزية مترامية الأبعاد. وتوهمت هذه الإيديولوجية إمكان التسلح بالعلم لتبرير إدعاءاتها. فمن منطلق الفرق في الملامح الطبيعية ولون البشرة، سعت إلى استنتاج فرق جوهري بيولوجي ووراثي، وإلى القول بأن الشعوب المقهورة تنتمي إلى "أعراق" منحطة في الأصل على صعيد المؤهلات العقلية والأدبية والاجتماعية. في نهاية القرن الثامن عشر ولأول مرة استعملت لفظة "العرق" لتصنيف البشر بيولوجياً. وفي القرن التالي بدأ الإقبال على تفسير تاريخ الحضارات بتعابير بيولوجية، وجعْله سباقاً بين أعراق قوية وأعراق ضعيفة اعتُبرت أحط شأناً من الأعراق الأخرى على الصعيد الوراثي. وأما تقهقهر الحضارات الكبرى فمردّه في نظرهم انحطاطها السلالي، أي اختلاط الأعراق وما يستتبعه من إفقار لنصاعة الدم (8).
7- مثل هذه الطروحات أحدث صدى كبيراً في ألمانيا ونعلم أن الحزب التوتاليتاري القومي الإشتراكي اتخذ الأيديولوجية العنصرية أساساً لبرنامجه الأخرق الهادف إلى الإجهاز الجسدي على من هم في نظره "أعراق منحطة" وقد أمسى هذا الحزب مسؤولاً عن واحدة من أفظع المجازر الجماعية في التاريخ. هذا الجنون السفاح وقع أولا ًعلى الشعب اليهودي، فأصاب منه أعداداً غفيرة، كما وقع على شعوب أخرى من الغجر والنَوَر أو على بعض الفئات من السكان كالمعاقين والمعتوهين. ومن العنصرية إلى النِسالية* خطوة ليس إلاّ، تمّ اجتيازها بسرعة.
لم تتوانَ الكنيسة في الاحتجاج(9)، فقد شجب البابا بيوس الحادي عشر بصراحة التعاليم النازية في رسالته العامة Mit brennender Sorge، وفيها نصه : "كل من يعتمد العرق أو الشعب أو الدولة... أو أية قيمة أساسية أخرى من قيم الأسرة البشرية... ليعزلها عن سلّم القيم... ويؤلهها بعبادة صنمية، فهو يقلب ويزوّر نظم الأشياء الذي خلقه الله وأرساه(10) وفي 13 نيسان 1938 أوعز البابا المجمع المقدس للمعاهد الإكليريكية والجامعية، بأن يبعث إلى جميع رؤساء الجامعات وعمداء الكليات برسالة تأمر جميع أساتذة اللاهوت بأن يدحضوا بالأسلوب المعهود في كل العلوم المزاعم العلمية التي تتوسلها النازية لتبرير إيديولوجيتها العنصرية (11) وكان البابا بيوس الحادي عشر منذ سنة 1937 يُعد رسالة أخرى مسهبة في وحدة الجنس البشري هدفها إدانة العنصرية واللاساميّة. ولكن الوفاة عاجلته قبل أن يتمكن من نشرها. وقد عمد خلفه البابا بيوس الثاني عشر إلى الاستعانة ببعض مضامينها في رسالته العامة الأولى Summi Pontificatus (12)، وخصوصاً في بلاغه بمناسبة ميلاد 1942، وقد أكّد فيه أن من بين المسلّمات الزائفة المعتمدة لدى المذاهب الوضعية القانونية "يجب أن نحصي نظرية تطالب بتخصيص أمة ما أو عرق ما أو طبقة ما " بالفطرة القانونية " أي الأمر المطلق، والقاعدة المسلكية المبرمة. ويطلق البابا نداءً حاراً لإقامة نظام اجتماعي جديد أفضل : " هذا الالتزام لا بدّ للبشرية من أن تتقيد به خدمة لمئات الآلاف من البشر المحكوم عليهم بالموت أو التردّي شيئاً فشيئاً من غير أن يكون لهم في ذلك أي ذنب، سوى أنهم ينتمون إلى عرق ما أو أمة ما "(13). وفي ألمانيا نفسها نظم الكاثوليك آنذاك مقاومة شجاعة ردد البابا يوحنا بولس الثاني صداه في 30 نيسان 1987 (14)، بمناسبة جولته الثانية لهذا البلد.
هذا التشديد على مأساة العنصرية النازية يجب ألاّ يُذهلنا عمّا ارتُكِب من إبادات جماعية أخرى، كتلك التي وقعت على الشعب الأرمني في أعقاب الحرب العالمية الأولى أو منذ زمن غير بعيد، ولأسباب إيديولوجية، على جزء كبير من الشعب الكمبودي.
إن ذكرى هذه الجرائم التي ارتكبت على هذا النحو، يجب ألاّ تزول من الأذهان أبداً. فالأجيال الناشئة والقادمة يجب أن تفهم إلى أي تجاوزات يستطيع الإنسان والمجتمع أن يبلغا عندما يخضعان لسلطان الإزدراء والكراهية.
لا يزال يوجد حتى اليوم، في آسيا وفي أفريقيا، مجتمعات تحكمها تفرقة واضحة جداً بين الطبقات، إلى جانب تصنيفات اجتماعية يصعب تخطيها. وظاهرة الرق التي كانت على جانب من الشيوع عبر الزمان والمكان لا تزال لها لسوء الحظ آثار باقية. هذه المظاهر السلبية وغيرها كثير مما يمكن تعداده، لا ترتبط دائماً بمذاهب فلسفية عنصرية بالمعنى الصحيح، بيد أنها تكشف عن وجود نزعة على جانب من الانتشار والإقلاق، إلى استعباد خلائق بشرية أخرى لأغراض شخصية واعتبارها من ثمّ أقل قيمة ومن فئة أدنى، إن صحّ التعبير.
الجزء الثاني
أشكال العنصرية اليوم
8- إن العنصرية لا تزال اليوم قائمة. وإن لها هنا وهناك يقظات مقلقة تظهر في أشكال مختلفة عفوية تتمتع بسماح رسمي أو بكيان مؤسسي. والواقع أن أحوال التفرقة المبنية على نظريات عنصرية هي اليوم في العالم أحوال استثنائية. ولكن مثل هذا القول لا يصح في ظاهرات العزل والعدائية التي يتعرض لها بعض الجماعات البشرية بسبب اختلاف ملامحها الطبيعية أو ميزاتها الإتنية والحضارية والدينية عمّا هو مألوف عند الفئة السائدة التي تعتبرها دلائل خِسّة فطرية مبرمة تبرّر كل ممارسات التفرقة عليها. فلئن كان العرق يحدد مجموعة بشرية تبعاً للملامح الطبيعية الثابتة والوراثية، فالادعاء العنصري الذي يملي التصرفات العنصرية يمكن أن يمتد بذات النتائج الوخيمة إلى جميع الأشخاص الذين تظهرهم أرومتهم الإتنية أو لغتهم أو دينهم أو عاداتهم في تباين مع الآخرين.
9- إن أصرح ما نجده اليوم من أشكال العنصرية في معناها الحصري هي العنصرية المؤسسية كما نجدها الآن، مقررة بقوة دستور البلد وقوانينه، ومبررة عن طريق إيديولوجية التفوّق المنسوب إلى من هم من أصل أوروبي على من هم من أرومة أفريقية أو هندية أو "ملونة"، ومرتكزة أحياناً على طريقة زائفة في تفسير الكتاب المقدّس. هذا هو نظام التفرقة (Apartheid) أو "النمو المفروق".هذا النظام تميّز مدة طويلة في جمهورية جنوبي أفريقيا بممارسة التفرقة العنصرية في مختلف مظاهر الحياة العامة، بين السكان الزنوج والخلاسيين والهنود والبيض، على أن يظل البيض وحدهم على قلتهم العددية هم الممسكين بزمام السلطة السياسية، اعتباراً منهم أنهم أسياد الجزء الأعظم من الأرض. كل إفريقي جنوبي له هوية يحددها العرق الذي يُسنَد إليه حكماً.
ومع أن هناك خطوات تحققت مدة هذه السنين الأخيرة لتغيير الأوضاع فإن غالبية السكان السود لا تزال منحّاة عن حق التمثيل الفعلي في الحكومة الوطنية، ولا تتمتع بالمواطنيّة إلاّ في الكلام. كثير منهم تفرض عليهم الإقامة في " مواطن " شظفة لا تزال على كل حال خاضعة للحكم المركزي اقتصادياً وسياسياً. معظم الكنائس المسيحية في هذا البلد ندّد بسياسة التفرقة واتخذت الأسرة الدولية (15) والكرسي الرسولي (16) في هذا الاتجاه عينه موقفاً حازماً.
جنوبي أفريقيا هي حالة قصوى في نظرية التفاوت بين الأعراق. والتمادي في حالة القمع الواقعة على غالبية السكان، بات الناس يتحملونه كل يوم أقل. فهو يحمل في ذاته من جهة المقهورين جرثومة انتفاضات عنصرية لا تقل خطراً عما يتعرضون له اليوم. فمن الاضطراري، والحالة هذه، أن نتخطى هذه الهوّة من الادعاءات، لبناء المستقبل على مبادئ تساوي جميع الناس في الكرامة. وقد دلّت الخبرة في أماكن أخرى أنه بالإمكان تحقيق تطورات سلمية في هذا المجال. يجب إذن على الأسرة الأفريقية الجنوبية كلها أولاً ثم على الأسرة الدولية بذل كل الجهود لتعزيز الحوار الواقعي بين المتنازعين. من المهم نفي الخوف الذي يولّد كل هذه التشنجات. ومن المهم أيضاً وبنفس المقدار تفادي الوقوع في صراعات داخلية يستغلها آخرون على حساب العدالة والسلام (17).
10- ثمة أيضاً أشكال أخرى من التفرقة العنصرية لا تزال تُمارَس في عدد من البلدان في حق السكان البلديين، وقد باتوا في معظم الأحوال، مجرد شهود للشعب الأصيل في تلك المناطق وفلول ما بقي من الإبادات الجماعية التي ارتكبها الغزاة في الأمس أو التي تغاضت عنها السلطات المستعمرة. وليس من النادر أن يُنحّى هؤلاء السكان البلديون عن مجرى التطور في البلد.
في كثير من الأحوال نرى مصيرهم يقترب في الواقع إن لم يكن في الشرع من الأنظمة التفريقية وذلك بمقدار انحصارهم في مناطق ضيّقة وخضوعهم لقوانين سنّها لهم المحتلّون الجدد بطريقة متفرّدة في معظم الأحيان. لا بد من أن يُضمن للمالكين الأولين حقهم في أرض وفي تنظيم اجتماعي وسياسي يحفظ لهم هويتهم الثقافية بشرط أن تظلّ منفتحة على الآخرين. من هذا الملحظ يقتضي الحق تجنب الوقوع في محذورين متناقضين بالنسبة إلى الأقليات البلدية القليلة العدد غالباً. فالمحذور الأول حصرها في محميّات وكأنما كتب عليها أن تعيش فيها أبداً مطويّة على ماضيها. والمحذور الآخر إخضاعها لنوع من التذويب الإلزامي بغض النظر عن حقهم في صون هويتهم الخاصة. لا ريب أن الحلول عسيرة : لأن التاريخ لا يُعاد. بيد أنه من الممكن العثور على أنماط من التعايش تراعي حساسية الجماعات المحليّة وتوفر لها إمكان البقاء هي ضمن المجموعات الأوسع التي تنتمي إليها بلا منازع. إن اندماجهم بكثافات متفاوتة في المجتمع المحيط يجب أن يتم على أساس الاختيار الحر (18).
11- هناك دول أخرى لا تزال محتفظة بدرجات مختلفة ببقايا تشريع تمييزي يقيّد إلى حد ما الحقوق المدنية والدينية عند الذين ينتمون إلى أقليات دينية، متحدرة إجمالاً من إتنيّات غير التي تنتمي إليها أكثرية المواطنين. فمن منطلق هذه المقاييس الدينية والإتنية، يتعذر على أعضاء هذه الأقليات حتى وإن توفرت لهم الضيافة أن يحصلوا على المواطنيّة –إذا طلبوها- في البلاد التي يقطنون فيها ويعملون. وقد يحدث أيضاً لمن يهتدي إلى الإيمان المسيحي أن تُسقَط عنه مواطنيته.هؤلاء الناس يُعتبَرون في كل حال مواطنين من الدرجة الثانية في ما يتعلق بالتعليم العالي والسكن والاستخدام ولا سيّما في القطاعات العامة وإدارة الأقضية المحلية. في هذا السياق يجب أن نذكر أيضاً الأوضاع التي يُفرض فيها على جماعات أخرى داخل بلد ما القانون الديني الخاص مع نتائجه في الحياة اليومية كالشرع، مثلاً، في بعض الدول ذات الأغلبية المسلمة.
12- وبوجه عام، يجب أن نشير هنا إلى "الإتنوسنتريّة" وهي حالة كثيرة الشيوع، قوامها جنوح طبيعي عند شعب ما إلى الذود عن هويته بالطعن في هوية الآخرين، حتى لَيُنكر عليهم ولو رمزياً كمال صفتهم البشرية. مثل هذا التصرف يعكس بلا مراء عند أصحابه حاجة غريزية إلى حماية القيم والمعتقدات والعادات المرعية عندهم، ويشعرون أنها مهدَدة في مواجهة الحضارات الأخرى. ولكننا نرى إلى أي تطرّفات يمكن أن يقود مثل هذا الشعور إذا لم يُنقَ ولم يلطّف بالانفتاح المتبادل عن طريق الإعلام الموضوعي والتداول المشترك. إن رفض التباين يمكن أن يُفضي إلى ذاك النوع من التلاشي الثقافي المعروف عند علماء الاجتماع "بالإبادة الإتنية" التي لا تتحمل وجود الآخر إلاّ بمقدار ما يرضى بالذوبان في الثقافة السائدة.
إنه من النادر أن يتحقق في بلدٍ ما، تطابق كامل بين حدوده السياسية وحدود شعوبه. وجميع الدول تقريباً القديمة المنشأ أو التي نشأت حديثاً تواجه معضلات الأقليات الدخيلة المقيمة داخل حدودها. فإذا لم تُراعَ حقوق الأقليات، فالمواجهات يمكن أن تستحيل إلى صراعات إتنية وتفجّر انتفاضات عنصرية وقبلية. وهكذا فزوال الأنظمة الاستعمارية وأحوال التفرقة العرقية لم يُؤْذن دائماً بنهاية العنصرية في البلاد التي أصبحت مستقلة في أفريقيا وآسيا.
ففي داخل الحدود المصطنعة التي خلّفتها السلطات المستعمرة، نجد أن المساكنة بين الإتنيات المختلفة تقاليدها أو لغاتها أو حضاراتها وحتى أديانها تصطدم غالباً بعقبة العداءات المتبادلة المتّسمة بالعنصرية. فالمناوءات القبلية إذا لم تهدد السلام أحياناً فهي تعترض السعي إلى تحقيق الخير العام للمجتمع بأسره كما أنها تولّد مشقات لحياة الكنائس واستقبال الرعاة (الروحيين) من الإتنيات الأخرى. ومع أن دساتير هذه البلاد تؤكد صريحاً المساواة بين جميع المواطنين وحيال القانون فإنه ليس من النادر أن يتحكّم بعض الجماعات الإتنية بجماعات أخرى ويأبى لها التمتع بحقوقها (19). ولقد أدّت هذه الأوضاع الواقعيّة أحياناً إلى صراعات دامية لا يزال ذكرها في جميع الأذهان. وقد لا تحجم السلطات العامة أحياناً أخرى عن استغلال هذه الخصومات الإتنية للإلهاء عن مشاكلها الداخلية ملحقة الضرر الفادح بما أقيمت له من حماية المصلحة العامة والعدالة.
ومن الأهمية بمكان أن نلفت النظر هنا إلى أوضاع تماثل نوعاً ما ما أتينا على ذكره. فهناك شعوب برمتها ولأسباب متشابكة يُفرض عليها التلبُث في حال من الاقتلاع والتشرد عن الأرض التي كانت متجذرة فيها شرعياً بلا سقف غالباً وبلا وطن على كل حال أو إذا كانت لا تزال في ديارها فنصيبها العيش في أحوال مزرية (20).
13- وليس من قبيل المبالغة القول أن ثمة أشكالاً من العنصرية الاجتماعية يمكن أن تقوم داخل البلد الواحد أو المجموعة الإتنية الواحدة. هناك مثلاً جماهير غفيرة من الفلاحين الفقراء يُعامَلون بلا مراعاة لكرامتهم ولحقوقهم، فيُينفَرون عن أراضيهم ويُعرّضون للإستغلال ويُفَرض عليهم التلبّث في وضع متخلّف اقتصادياً واجتماعياً على يد نفر من الملاكين المقتدرين المستفيدين من شلل السلطات أو من تواطؤها الناشط. تلك أشكال جديدة من الاستعباد شائعة في العالم الثالث. وليس الفرق كبيراً بين الذين يعتبرون أقواماً آخرين أدنى منهم لسبب عرقي، والذين يعاملون مواطنيهم معاملة الأدنين ويستغلون قدرتهم على العمل. لا بدّ هنا من أن تطبّق طريقة فعّالة المبادئ الشاملة للعدالة الاجتماعية. وهكذا يصبح بإمكان الطبقات المحظوظة أن تتجنب في ما يجب عليها أن تتجنبه الانزلاق في مشاعر "عنصرية " بالمعنى الصحيح تجاه مواطنيهم واتخاذها حُجة إضافية للإبقاء على البنيات الظالمة.
14- هناك ظاهرة أخرى أكثر شيوعاً، لاسيما في البلاد المشَرّعة لهجرة كثيفة. إنها ظاهرة العنصرية العفوية، نلاحظها عند سكان تلك البلاد في علاقتهم بالغرباء. وخصوصاً إذا كان هؤلاء من غير أرومتهم الإتنية ومن غير دينهم. إن الأوهام التي تسود غالباً النظرة إلى هؤلاء المستوطنين يُخشى أن تحرّك ردوداً قد تظهر في البداية بمظهر القومية المتطرّفة التي تتخطى حدود الاعتزاز المشروع بالوطن، وحتى حدود التعصب السطحي. وهذه الردود يمكن أن تتحول تالياً إلى كسينوفوبيّة بل إلى كراهية عنصرية.
هذه المواقف الذميمة تنبع من الخوف الغريزي الذي تولّده غالباً مواجهة الغير ومجابهة التباين وبكون إ ذ ذاك غرضها المعلن أو المكتوم أن يُنكَر على الغير حقه في أن يكون هو ذاته أو في كل حال أن يكون هو ذاته "عندنا". يمكن ولا ريب أن تكون هناك مشكلات توازن سكّاني وهوية ثقافية وأمن. بيد أن هذه المشكلات يجب أن تُحَل في احترام الآخرين وفي الثقة بالتنوّعية البشرية وما ينجم عنها من غنى. بعض البلاد الكبرى في العالم الجديد أصاب مزيداً من الحيويّة في هذه البوتقة من الثقافات. وبالعكس فإن ما يتعرض له غالباً اللاجئون والمستوطنون من ألوان الرفض والتضييق ليدعو إلى الأسف. ومن نتائجها حملهم على التجمّع والعيش في ما يشبه الغيتو، وفي ذلك ما يؤخّر اندماجهم في المجتمع الذي قبلهم إداريّاً من غير أن يضيفهم بطريقة إنسانية كاملة.
15- من بين مظاهر التحاذر العنصر المنهجي، لا بد من هنا من عودة صريحة إلى اللاّسامية. فلئن باتت هي الشكل الأفظع لما تلبّسته الإيديولوجية العنصرية في عصرنا مع ما جرّته من أهوال " المحرقة " اليهودية (21)، فمن المؤسف أنها لم تتلاشَ بعد كليّاً. وكأن بعضهم لم يتّعظ بشيء من جرائم الماضي، فإن هناك منظمات تعمل بواسطة أناسها في عدد كبير من البلدان وبدعم مجموعة من شبكات النشر على رعاية الأسطورة العنصرية اللاساميّة. إن الأعمال الإرهابية التي تستهدف من بين اليهود أفراداً ورموزاً قد تفاقمت في هذه السنين الأخيرة وكشفت عن راديكالية هذه الزُمر. إن اللاصهيونية – وهي ليست من ذات المعدن إذ هي اعتراض على دولة إسرائيل وسياستها – قد تُتّخذ أحياناً ذريعة للاّسامية فتتغذى منها وتقود إليها. ومن جهة أخرى يعتمد بعض البلاد للحدّ من حرية الهجرة اليهودية ألواناً تعسّفيّة من التعنيت والتضييق.
16- الخوف المتفشّي من أن تظهر أشكالاً جديدة من العنصرية مجهولة حتى الآن، يتبيّن في معرض اللجوء المحتمل إلى استعمال "تقنيّات الإنجاب الاصطناعي" والإخصاب المختبري وإمكانات المسّ بالطاقة الوراثية. ومع أن هذه المخاوف لا تزال حتى الآن جزئياً في حكم الافتراض فهي لا تخلو من أن تسترعي انتباه البشرية لنمط جديد ومقلق من تحكّم الإنسان بالإنسان ومن تم لملحاحيّة قاعدة مسلكيّة مناسبة. ومن المهم أن يحدّد القانون بأقصى سرعة حواجز رادعة لئلا تقع هذه " التقنيات" بين أيدي سلطات غاشمة وعابثة قد تسعى إلى "صنع" خلائق بشرية منتخبة تبعاً لمقاييس عرقية أو لخصائص أخرى أيّاً كانت. ونشهد إذ ذاك انبعاث الأسطورة الوبيلة، أسطورة العنصرية النِساليّة التي خبر العالم بالأمس مساوئها (22). وقد يكون لهذا التجاوز في التصدي لولادة خلائق بشرية من فئات اجتماعية أو إتنية معينة عن طريق حملات تدعو إلى الإجهاض والتعقيم. فحيث ينتفي الاحترام المطلق للحياة ولانتقالها بموجب تدابير الخالق يحلّ الخوف من أن يفلِت كلّ زمام أربي لسلطة الناس بما فيها القدرة على تكوين بشرية على مثال هؤلاء السحرة المتدرّبين وصورتهم السخيفة.
فلكي نردع مثل هذه الأفعال ردعاً حازماً ونستأصل من مجتمعاتنا التصرفات العنصرية أيّاً كانت والذهنيات التي تفضي إليها، لا بد من أن تكون لنا في هذا الشأن قناعات راسخة بكرامة كل إنسان ووحدة الأسرة البشرية. من هذه القناعات تنجم الأخلاق. بإمكان القوانين أن تساهم في المحافظة على الدستور الخلقي في تطبيقاته، بيد أنها لا تكفي لتبديل قلب الإنسان. لقد آن الأوان إذاً للإصغاء إلى بلاغ الكنيسة الذي به تتكوّن القناعات وعليه ترتكز.
الجزء الثالث
كرامة كل عرق ووحدة الجنس البشري
رؤية مسيحيّة
17- العقيدة المسيحيّة في شأن الإنسان، قد نمت انطلاقاً من الوحي الكتابي وفي ضوئه، كما بفضل مقارنة مستمرة مع تطلعات الشعوب وخبراتها. وهي التي أوحت للكنيسة على مرّ التاريخ، المواقف التي أشرنا إليها. هذه العقيدة استعادها المجمع الفاتيكاني الثاني لأبناء عصرنا بأسلوب واضح ومتناسق في غير واحد من نصوصه الجوهرية منها هذا المقتطف النموذجي : "إن جميع الناس المتمتعين بنفس عاقلة والمخلوقين على صورة الله لهم طبيعة واحدة وأرومة واحدة. كلهم – وقد افتداهم المسيح – يتمتعون بدعوة واحدة ومصير إلهي واحد. يجب إذاً وكل يوم أكثر أن نعترف بمساواتهم الجوهرية.
"من الثابت أن جميع الناس ليسوا سواسيّة بقدرتهم الجسدية – وهي على جانب من التنوع – ولا بطاقاتهم العقلية والأدبية وهي على جانب من الاختلاف. بيد أن جميع أشكال التفرقة التي تمسّ الإنسان في حقوقه الأساسية، اجتماعية كانت هذه التفرقة أم ثقافية وأيّاً كان مرتكزها: الجنس أو العرق أو لون البشرة أو الوضع الاجتماعي أو اللسان أو الدين يجب أن نتخطاها ونزيلها لأنها نتافي قصد الله (23).
هذه العقيدة رددها الباباوات والأساقفة مرات عدة. فقد أوضح بولس السادس مثلاً أمام الدبلوماسيين : " في نظر المؤمن بالله جميع البشر حتى الأقلّ حظّاً هم أبناء أبي الجميع الذي خلقهم على صورته ويرعى مصائرهم بخالص حبّه. ولكن الأبوّة الإلهية تعني الأخوّة بين البشر وهذه ناحية بارزة في الشمولية المسيحيّة ونقطة مشتركة أيضاًَ مع ديانات كبيرة أخرى ومسلّمة من أرقى ما بلغت إليه الحكمة البشرية في جميع العصور، تلك التي تراعي حرمة الكرامة البشرية " (24).
ويؤكد يوحنا بولس الثاني تارة أخرى : "إن خلق الله للإنسان على صورته" يولي كل خليقة بشرية كرامة منيفة. وهو يقتضي القول أيضاً بالمساواة الأساسية بين جميع الخلائق البشرية. في نظر الكنيسة، هذه المساواة المتأصلة في ذات الكيان البشري، تكتسب بُعداً أخوياً فريداً جداً، من جرى تأنس ابن الله... وترى الكنيسة في الفداء الذي حققه يسوع المسيح أساساً جديداً لحقوق الإنسان وواجباته. ومن ثم فكل شكل من أشكال التفرقة المرتكزة على العرق، مرفوض من كل الوجوه (25)".
18- هذا المبدأ القائل بمساواة جميع البشر في الكرامة، أيّاً كان العرق الذي ينتمون إليه، يجد له مرتكزاً متيناً على صعيد العلوم وأساساً راسخاً على صعيد الفلسفة والأدبيات والأديان عموماً. والإيمان المسيحي يحترم هذه البديهة وهذه المقولة ويأنس لهما. وإننا لنجد توافقاً على جانب كبير من الأهمية بين مختلف العلوم يدعم قناعات السواد الأعظم من الصُلاّح ويُفسح المجال لوضع إعلانات واتفاقات ومواثيق للذود عن حقوق الإنسان وإلغاء جميع أشكال التفرقة العنصرية. وهذا فحوى ما قاله بولس السادس في حديثه عن " المسلّمة التي هي أرقى ما بلغت إليه الحكمة البشرية في جميع العصور".
بيد أن هذه المعالجات ليست في توجه واحد، ومن المهم أن نراعي لكل منها مستواها الخاص.
فالعلوم من جهتها تساهم في إزالة الكثير من البديهيات الزائفة التي يسعى إلى التحجج بها من يرغب في تبرير التصرفات العنصرية وتأجيل الإصلاحات الضرورية. لقد جاء تصريح حرّره عدد من الشخصيات العلمية في الأونسكو في 8 حزيران 1951 : "يقرّ العلماء بوجه الإجمال أن جميع البشر العائشين اليوم ينتمون إلى جنس واحد، الإنسان المدرك (homo sapiens ) وينحدرون من أرومة واحدة "(26) بيد أن العلوم لا تكفي لترسيخ القناعات اللاعنصرية.فهي بأساليبها تأبى قول الكلمة الفصل في الإنسان ومصيره وتحديد القواعد الأدبية الشاملة المتّسمة بطابع الإلزام للضمائر.
وأما الفلسفة والأخلاقيات والديانات العظمى، فهي تعنى بالإنسان من جهة أصله وطبيعته ومصيره، من زاوية لا تخضع للبحث العلمي المعتمد على وسائله الخاصة. وإنها تحاول إرساء الاحترام المطلق لكل حياة بشرية على ركيزة أمتن مما توفّره مراقبة الأعراف أو إجماع الناس في حقبة معينة، مع أن هذا الإجماع يظل دائماً هشاً وملتبساً. بإمكانها والحالة هذه وفي أفضل الأحوال أن تتبنّى شمولية تجد لها العقيدة المسيحيّة أساساً محكماً في الوحي الصادر من عند الله.
19- في نظر الوحي الكتابي أن الله خلق الإنسان - رجلاً وامرأة - على صورته ومثاله (27). هذه الصلة بين الإنسان وخالقه هي أساس كرامته وما يتمتع به من حقوق أساسية راسخة كفيلها الله نفسه. هذه الحقوق الشخصية يوازيها بلا ريب واجبات تجاه الآخرين. ولا يسوغ للفرد ولا للمجتمع ولا للدولة ولا لأي مؤسسة بشرية الهبوط بالإنسان – أو بمجموعة من البشر- إلى مستوى الأشياء.
الإيمان بأن الله هو مبدأ الجنس البشري يضفي هيمنة ووحدة ومعنى على جميع الملاحظات الجزئية التي يتوفّق العلم في حشدها بشأن المجتمعات وطريقة تطوّرها ونموها.هذا الإيمان هو أقصى ما يمكن تأكيده في تساوي جميع البشر كرامة ً عند الله. انطلاقاً من هذه النظرية يصبح الإنسان بمنجاة من تحكّمات السلطات البشرية والدعاية الإيديولوجية المسخّرة لتبرير استعباد المستضعفين. الإيمان بإله واحد بارئاً وفادياً جميع الجنس البشري المخلوق على صورته ومثاله إنما هو النفي المطلق والمبرم لكل إيديولوجية عنصرية. ولكن يجب أن نستخلص من هذا الإيمان جميع نتائجه : " نحن لا نستطيع أن ندعو الله أباً لجميع البشر إذا أبينا التصرّف أخويّاً تجاه البعض من هؤلاء البشر المخلوقين على صورة الله" (28).
20- والواقع أن الوحي يُلِحّ بالمقدار ذاته على وحدة الأسرة البشرية : فالناس كلهم المخلوقون في الله لهم أرومة واحدة. وأيّاً كان شتاتهم عبر التاريخ وبروز فروقهم، فهم مدعوّون إلى أن يقيموا أسرة واحدة حسب قصد الله المقرّر منذ "البدء". فالإنسان الأول إنما يرمز إلى وحدة الجنس البشري، حاضراً وآتياً. ولفظة آدم – من "أدم" أي التراب – هي اسم جمع. والنوع البشري كله هو صورة الله. وأمّا حواء، المرأة الأولى، فقد دعيت "أماً لجميع الأحياء (29) ومن الزوجين الأولين "ولد جنس البشر"(30). والناس كلهم من "أسرة آدم"(31). وسوف يعلن القديس بولس لأهل أثينا: "إن الله صنع جميع الأمم البشرية من أصل واحد، ليسكنوا على وجه الأرض كلها" بحيث يمكن الجميع أن يقولوا مع الشاعر إنهم من "سلالة الله " نفسه (32).
هذه الشمولية لا يناقضها اصطفاء الشعب اليهودي : فلقد كان ذلك أسلوباً تربويّاً يضمن للإيمان بالكائن الأزلي الأوحد صيانته ونموّه والمسؤوليات التي يستتبعها. ومع أن شعب إسرائيل وعى ارتباطه بالله برباط خاص فقد أثبت أيضاً أن هناك ميثاقاً بين الله والجنس البشري كله (33)، وأن جميع الشعوب،حتى في العهد المقطوع مع إسرائيل، مدعوّون إلى الخلاص : "ففيك تتبارك جميع أمم الأرض" يقول الله لإبراهيم (34).
21- ويدعم العهد الجديد هذا الوحي بكرامة جميع البشر ووحدتهم الأساسية والتزامهم بالأخوّة كيف لا وقد حقق لهم المسيح جميعاً وبالتساوي نعمة الخلاص وضمّ الشمل.
يبين لنا سر التجسّد إلى أي حدّ أكرم الله الطبيعة البشرية وقد أراد لها في ابنه أن تتحد بطبيعته بدو اختلاط ولا انفصال، وهكذا تمّ اتحاد المسيح نوعاً ما، بكل إنسان (35). والمسيح هو بوجه فريد "صورة الله الذي لا يُرى (36) " وفيه وحده تتجلّى ذات الله بوجه كامل في مَسْكنَةِ الطبيعة البشرية التي تلبّس بها بطريقة حرّة (37). ومن ثم فهو "آدم الجديد" والنموذج الأول للإنسانية الجديدة "وبكر لإخوة كثيرين (38)، وفيه تترمّم الصورة الإلهية المشوّهة بالخطيئة. إن كلمة الله الأزلي بتجسده بيننا "أخذ على عاتقه بشريتنا (39) " لكي يجعلنا شبيهين بألوهيته. وهذا العمل الخلاصي الذي حققه الله في المسيح له صفة الشمولية ولا ينحصر في الشعب المختار وحده. "ذرية آدم" كلها معنيّة بهذا الخلاص، وقد "تجددت" في المسيح، على حدّ تعبير القديس إيريناوس(40). فمع المسيح البشر جميعاً مدعوّون إلى الدخول بالإيمان في العهد المُبرَم مع الله (41) بغض النظر عن الختان والشريعة الموسوية والعِرق.
هذا العهد قد تحقق وتثبّت بذبيحة المسيح الذي نال الفداء لبشرية خاطئة. وبصليب المسيح زالت الهوّة الدينية – وقد تصلّبت حتى أمست هوّة إتنية – بين شعب الموعد الذي بات ناجزاً وسائر البشرية. والوثنيون الذي كانوا حتى ذاك "بعيدين عن رعية إسرائيل غرباء عن عهود الموعد" "أصبحوا أقارب بدم المسيح (42)". فهو الذي "جعل من الجماعتين جماعة واحدة وهدم بجسده الحاجز الذي يفصل بينهما (43) " ولقد ساء المسيح أن يجعل في ذاته من اليهودي والوثني "إنساناً جديداً واحداً". وهذا الإنسان الجديد هو الاسم الجامع للبشرية التي افتداها بجميع مقّوماتها المتنّوعة، وصالحها مع الله في جسد واحد هو الكنيسة بقدرة الصليب الذي قضى على العداوة (44). وهكذا لم يبق الآن "يوناني أو يهودي ولا ختان أو قلف ولا أعجمي أو إسكوتي ولا عبد أو حرّ بل المسيح الذي هو كل شيء وفي كل شيء (45).
والمؤمن أياً كان وضعه السابق قد لبس الإنسان الجديد الذي لا يني يتجدّد على صورة خالقه. والمسيح هو الذي يجمع أبناء الله المشتتين (46).
بلاغ المسيح هذا لا يتناول فقط الأخوّة الروحية بل يفترض ويستتبع تصرفات واقعية على جانب كبير من الأهمية في الحياة اليومية. وقد أعطى المسيح نفسه المثل في ذلك.
ففي إطار فلسطين الضيق حيث اندرجت كل حياته الأرضية تقريباً لم تتوفّر له فرص كثيرة للقاء أناس من غير قومه. بيد أنه كان يبدي الحفاوة لكلّ الذين اتصل بهم من جميع الفئات. فلم يخشَ المكوث مع السامريين (47) ضارباً يهم المثل (48) مع أنهم كانوا محتقرين في نظر اليهود الذين كانوا يعاملونهم معاملة المارقين. ولقد أشرك في خلاصه جميع المنبوذين بطريقة أو بأخرى: المرضى والخطأة – رجالاً ونساءً – والزواني والعشارين والوثنيين أمثال المرأة الكنعانية (49). ولم يبقَ بمعزل عنه إلاّ الذين انفردوا عنه سلفاً، مثل بعض الفريسييّن وينبّهنا المسيح جهاراً أننا سوف نُحاكَم على موقفنا من الغريب والأصغر من بين إخوتنا البشر ففيهما نلتقيه حتى على غفلة ٍ منا (50).
قيامة المسيح وإفاضة الروح القدس يوم العنصرة هما المنطلق لهذه البشرية الجديدة. ويتم الانضمام إليها بالإيمان والمعمودية، بعد سماع البشارة وقبول الإنجيل بطريقة حرّة. وهذه البشرى موجهة إلى جميع الأعراق : " تلمذوا جميع الأمم (51) ".
22- دعوة الكنيسة إذاً هي أن تكون في العالم " شعب المُفتدين "، المُصالحين مع الله وبعضهم البعض، وقد أصبحوا "جسداً واحداً وروحاً واحدة في المسيح (52)" يبادرون كلّ إنسان بالاحترام والمحبة. "فجميع الشعوب التي تحت السماء " كانت مُمثـّلة رمزياً في أورشليم يوم العنصرة (53) وهي نقيض الشتات البابلي ومجاوزته (54). وهذا ما قاله بطرس يوم استُدعي إلى بيت كونيليوس الوثني : " لقد بيّن الله لي أنه لا ينبغي أن أدعو أحداً من الناس نجساً أو دنساً.... فإن الله لا يُراعي ظاهر الناس "(55). فالكنيسة دعوتها السامية أن تحقق في ذاتها أوّلاً وحدة الجنس البشري بمنأى عن الفواصل الإتنية والثقافية والوطنية والاجتماعية وغيرها، وذلك بالضبط للدلالة على تفاهة هذه الفواصل ذاتها وقد قضى عليها المسيح بصليبه. وهي بصنيعها هذا تساهم في تدعيم العيس الأخوي بين جميع الشعوب. وقد حدّد المجمع الفاتيكاني الثاني الكنيسة بأنها حقاً "السرّ أي العلامة والوسيلة معاً لتحقيق الاتحاد الحميم بالله ووحدة الجنس البشري بأسره " (56)، لأن "المسيح والكنيسة فوق كل تفرّدية عرقية أو قوميّة " (57). في الكنيسة "لا يمكن أن تقوم لا مساواة بداعي العِرق أو الأمّة أو الوضع الاجتماعي أو الجنس " (58). وهذا هو مفهوم " الكثلكة" أي الشمولية، وهي ميّزة الكنيسة. وبمقدار ما تحقق الكنيسة امتدادها شيئاً فشيئاً تتجلّى هذه الكثلة بوضوح أكثر : فهي تجمع في الواقع مؤمنين بالمسيح من جميع أمم العالم بثقافاتهم الأكثر تنوّعاً وعلى رأسهم رعاة من شعبهم. والكل مشتركون في الإيمان الواحد والمحبة الواحدة.
إن الرسالة التي دعيت الكنيسة إلى تحقيقها بتفويض إلهي لا يمكن أن توهيها ولا في حال من الأحوال إخفاقاتها المتكرّرة الناجمة عن تثاقلات البشر وخطايا أعضائها أنفسهم. لا بل إن في ذلك ما بدعم القول بأن الكنيسة ليست مؤسسة إنسانية، بل هي ثمرة قصد يتخطّى الطاقات البشرية المحضة. ومن المهم في كل حال أن يعي المسيحيون وعياً أفضل أنهم مدعوون كلهم إلى أن يكونوا في العالم في موقع الدلالة. فبفضل تصرّفهم الرافض لكل أشكال التفرقة العنصرية والإتنية والقومية والثقافية يصبح بإمكان العالم أن يكتشف جدة إنجيل المصالحة كما أن عليهم أن يستبِقوا في الكنيسة قيام الجماعة الأخرويّة والنهائية في ملكوت الله.
23- العقيدة المسيحيّة التي أتينا على عرضها، لها في الواقع نتائج أدبية خطيرة، يمكن تلخيصها بثلاث كلمات جوهرية : احترام الفروق، الأخوّة، التضامن.
فلئن ثبت أن الناس والجماعات البشرية هم متساوون في الكرامة فهذا لا يعني أنهم يملكون كلهم وفي ذات الحقبة نفس القدرات الطبيعية ونفس المواهب الثقافية ونفس الطاقات الذهنية والأدبية ونفس المستوى النمائي. فالمساواة ليست الرتابة. ومن المهم أن نعترف بالتنوّع والتكامل في الثروات الثقافيّة والخصال الأدبيّة عند هؤلاء وأولئك. المساواة في المعاملة يجب إذاً أن يمهّد لها اعتراف بالتفاوت هو من مطالب الأقليّات نفسها لتتمكن من النمو طبقاً لعبقريتها الخاصة ولكن في احترام الآخرين ومراعاة الخير العام للمجتمع وللأسرة العالميّة. ولكن لا يسوغ لأي مجموعة بشرية أن تتباهى بامتلاك أفضلية في الطبيعة على الآخرين (59)، أو أن تمارس أي وجه من وجوه التفرقة في ما له علاقة بالحقوق الأساسية للإنسان.
تبادل الاحترام لا يكفي بل يجب أن نبني الأخوّة. والديناميّة الضرورية لمثل هذه الأخوّة إنما هي المحبة. والمحبة هي أيضاً بلاء مراء في صميم البلاغ المسيحي. "كل إنسان هو أخي (60)". والمحبة ليست مجرّد شعور بالتعطف أو الشفقة أنها تهدف إلى تمكين كل إنسان من التمتع بطريقة واقعيّة بشروط حياة كريمة تعود له بقوّة الحق، لضمان عيشه وحرّيته ونموّه على كل صعيد. والمحبة تجعلنا نتوسم في كل رجل وفي كل امرأة ذاتنا الأخرى" في المسيح بحسب الوصيّة الإلهيّة : "أحبب قريبك كنفسك".
ولكن الاعتراف بالأخوّة لا يكفي : يجب أن نبلغ إلى التضامن الواقعي بين الجميع وبخاصة بين الأثرياء والفقراء. الرسالة العامة الجديدة ليوحنا بولس الثاني "الاهتمام بالشأن الاجتماعي" (30 كانون الأول 1987) تبرز واقع الترابط الذي بِتنا "نحسّه نظاماً ضروريّاً للعلاقات في العالم المعاصر... ومرفوعاً إلى مرتبة المقولة الأدبيّة. فعندما يتم الاعتراف هكذا بواقع الترابط، فالجواب المناسب على صعيد الموقف الأدبي والاجتماعي وعلى صعيد "الفضيلة" إنما هو التضامن (61) وبه تتعلق قضيّة السلام بين البشر وبين الدول- Opus solidaritatis pax – السلام هو ثمرة التضامن (62)".
الجزء الرابع
مساهمة المسحيين، بالتعاون مع الآخرين،
في تدعيم الأخوّة والتضامن
بين الأعراق
24- إن الادعاء العنصري الذي ينكر التساوي في الكرامة لكل أعضاء الأسرة البشرية ويجدّف على الخالق لا يمكن مكافحته إلاّ في جذوره، حيث يتكوّن، أي في قلب الإنسان.
لأنه في القلب تنشأ التصرفات العادلة أو الجائرة (63)، حسبما يفتح الإنسان قلبه لإرادة الله - في النظام الطبيعي وفي كلمته الحيّة – أو ينطوي على الأنانيات التي يمليها عليه الخوف أو غريزة التسلّط. إن ما يجب أن ننقّيه إنما هو نظرتنا إلى الآخرين. وأمّا التزود بالأفكار العنصريّة والتمادي في المواقف العرقية فهما خطيئة تناقض البلاغ المسيحي في صميمه. ففي نظر هذا البلاغ، "القريب" ليس هو فقط الإنسان الذي من قبيلتي أو من محيطي أو من ديني أو من أمّتي بل هو كل إنسان ألتقيه في دربي.
وليس بالوسائل الخارجيّة – كالتشريع أو التدليل العلمي- نُوفّق في استئصال الادعاء العنصري من الإنسان فإنه لا يكفي أن تتجنب الشرائع جميع أشكال التفرقة العنصرية وتعاقب عليها. فهذه الشرائع يمكن التحايل عليها بسهولة إذا كان الجماعة التي وُضِعت لها لا تلتزم بها التزاماً كاملاً. ولكي يتم هذا الالتزام لا بدّ للجماعة من تتبنّى القيم التي توحي الشرائع العادلة وتحق في المعاملات اليوميّة اليقين بأن جميع البشر متساوون في الكرامة.
25- ولكن توبة القلب لا يمكن أن تتحقق إذا لم تترسّخ قناعات الذهن بوجوب احترام جميع الأعراف والإتنيات. إن الكنيسة تساهم من جهتها في تهذيب الضمائر عندما تفصل بوضوح العقيدة المسيحيّة في هذا الشأن. وهي تطلب من الرعاة والوعّاظ والمدرّسين ومعلمي الدين بوجه خاص أن يبرزوا التعليم الصحيح المتضمن في الكتاب المقدس والتقليد، أن الله هو أصل جميع البشر وفي شأن مصيرهم الأخير المشترك في ملكوت الله وقيمة وصيّة المحبة الأخوية والمنافاة الكلّية بين العزل العنصري والدعوة الشاملة لجميع البشر إلى الخلاص الواحد في يسوع المسيح. وأما اللجوء إلى الكتاب المقدس لتبرير الادعاءات العنصرية بالاستدلال فيجب أن يُشجب شجباً حازماً. فالكنيسة لم تسوّغ قطّ هذا النمط المزيّف في تفسير الكتاب.
هذا العمل الإقناعي الذي تضطلع به الكنيسة، ينبغي أن يتحقق أيضاً وبذات المقدار عن طريق الشهادة النابعة من حياة المسيحيين : احترام الغرباء، القبول بالحوار والمشاركة والمساعدة والتعاون مع الإتنيّات الأخرى. فالعالم بحاجة إلى أن يتحقق من صحة هذا المثل الحي في حياة المسيحيين لكي يقتنع من بلاغ المسيح. لا شك أن على المسيحيين أنفسهم الاعتراف بتواضع بأن أبناء الكنيسة على جميع المستويات لم تكن لهم دائماً عبر التاريخ تصرّفات متناسقة في هذا الشأن. بيد أنهم ملزمون مع ذلك بالاستمرار في إعلان ما هو حق، مع السعي في "صنع" الحقيقة (64).
26- لا يكفي أن نعرض العقيدة ونعطي المثل. يجب الدفاع عن ضحايا العنصرية أينما كانوا إن أعمال التفرقة بين الناس وبين الشعوب، لسبب عنصري أو لأسباب أخرى – دينية أو إيديولوجية- وما تنتهي إليه من مظاهر الازدراء والعزل يجب أن تُفضح بلا مداهنة ويُندّد بها تنديداً حازماً، إلى أن يُصار إلى بعث تصرّفات وإجراءات تشريعيّة وبنيات اجتماعية عادلة.
كثيرون هم الذين أضحوا أشدّ تأثراً بهذا الظلم فهبوا يكافحون جميع أشكال العنصريّة. وهم يفعلون ذلك إمّا عن اقتناع ديني وإمّا لدواع ٍ إنسانية. وقد يقودهم ذلك أحياناً إلى مجابهة الوسائل القمعيّة التي يعتمدها بعض السلطات، أو أقلّه، الضغوط التي يمارسها الرأي العام المتحيّز، وإلى التعرّض لضروب التنكيل والسجن. ولا يتردّد المسيحيون مع ما يلزم من الفطنة في تأدية قسطهم في هذا الكفاح في سبيل كرامة إخوتهم مُؤ ْثرين دائماً الوسائل اللاعنفية (65).
27- ولكن الكنيسة في تنديداتها بالعنصرية تحاول المحافظة على موقف إنجيلي تجاه الجميع. وفي هذا بلا شك فرادتها. فهي لا تخشى أن تحلل بوعي مساوئ العنصرية وأن تشجبها حتى في حضور أصحابها ولكنها مع ذلك تسعى إلى أن تفهم أيضاً كيف استطاع هؤلاء الوصول إلى مثل هذه الحال وتودّ أن تساعدهم في العثور على مخرج معقول من المأزق الذي تورطوا فيه. وتشبهاً بالله الذي لا يرتضي موت الخاطئ (66) تهدف الكنيسة إلى إنهاضه من عثرته، إذا رضي بمعالجة المظالم المرتكبة. وتُعنى الكنيسة أيضاً بألاّ تعمد الضحايا إلى وسائل الصراع العنيف، فينتهي بهم الأمر إلى الوقوع هم أيضاً في عنصريّة أشبه بالتي يكافحونها.
رغبة الكنيسة أن تفسح مجالاً للمصالحة لا أن تعمّق الخلافات وتدعو إلى العمل بحيث تنتفي الكراهية. إنها تكرز بالمحبة وتمهد الطريق بصبر ٍ لكي يتمّ تحوّل في الذهنيات، بدونه تبقى التحوّلات البنيوية بلا ثمرة.
28- للمدرسة دور بارز في العمل على امتلاك ضمير لا عنصري. وقد نوّهت السلطة التعليمية في الكنيسة بأهمية تربية تلحّ على ما هو مشترك بين جميع الناس. ومن المهم أيضاً أن نبيّن أن الآخر لأنه متميّز عنّا يمكنه أن يزيد خبرتنا ثروة. فلئن كان من الطبيعي مثلاً أن يعزّز التاريخ فينا مشاعر التقدير لأمتنا فإنه من المؤسف أن يقودنا إلى تعصّب أعمى وألاّ يترك لمآثر الأمم الأخرى سوى محلّ ثانوي يُعَدّ إعادة النظر في الكتب المدرسية التي تزوّر التاريخ والتي تطمس المساوئ التاريخية للعنصرية أو تبرّر مبادئها. وكذلك التربية المدنيّة يجب أن تصمّم بحيث تتمكن من استئصال النزعات التفريقيّة تجاه الذين ينتمون إلى مجموعات إتنيّة أخرى. ثم إن المدرسة توفّر لأبناء المغتربين كل يوم أكثر فرصة الاختلاط بأولاد السكان الأصليين : فيا ليتنا نغتنم هذه السانحة لنساعد هؤلاء وأولئك في التعرف بعضهم ببعض والتمهيد لتعايش أكثر تناغماً.
ويبدو على كلّ أن كثيراً من الشباب في أيامنا هم أقلّ انقياداً للادعاءات العنصرية وتلك ورقة رابحة للمستقبل يجب رعايتها. من هنا مزيد ألمنا من أن نرى شباباً آخرين ينتظمون زمراً لارتكاب ألوان من العنف في حق بعض المجموعات العرقية، أو لتحويل لقاءات رياضية إلى مظاهرات عصبيّة تفضي إلى أفعال همجيّة ومجازر. ولا شك أن الادعاءات العنصرية إلاّ إذا اغتذت بالإيديولوجية، هي في معظم الأحيان وليدة جهلنا للآخر وما يبعثه هذا الجهل من توهمات ومخاوف. والواقع أننا اليوم لا تنقصنا الفرص لتعويد الشباب مواجهة "التباين" بالاحترام والتقدير : المبادلات الدولية، والأسفار والدروس اللغويّة والتوأمة والمخيّمات الصيفية والمعاهد الدوليّة والنشاطات الرياضية والثقافية.
29- الإقناع والتربية يجب أن يواكبهما التصميم على ترجمة احترامنا للإتنيات الأخرى إلى نصوص تشريعيّة تنظّم البنيات وسير المؤسسات الإقليميّة والوطنية.
عندما تموت العنصريّة في القلوب لا تعتّم أن تزول من النصوص القانونية. ولكن لا بدّ من العمل أيضاً بطريقة مباشرة على صعيد التشريع. فحيث لا تزال قائمة قوانين تفريقيّة يجب على المواطنين الذي يدركون خبث مثل هذه الإيديولوجيّة أن يضطلعوا بمسؤولياتهم لكي يتم التناغم بالطرق الديموقراطية بين القانون والشريعة الأدبيّة. فضمن حدود الدولة الواحدة يجب أن يكون القانون متساوياً لجميع المواطنين بلا تمييز. ولا يسوغ لفئة سائدة ولا في حال من الأحوال سواء أأكثرية عددية كانت أم أقليّة أن تتحكم على هواها بالحقوق الأساسية للمجموعات الأخرى. ومن المهم أن يُعتَرف للأقليات الإتنية أو اللغوية أو الدينية القاطنة داخل حدود البلد الواحد بذات الحقوق الراسخة التي يتمتع بها سائر المواطنين ومن ضمنها حقّهم في العيش بعضهم مع بعض طبقاً لخصوصياتهم الثقافية والدينية. وأمّا اندماجهم في محيطهم الثقافي فيجب أن يتمكنوا من تحقيقه بملء حريتهم (67).
هناك مجموعات أخرى من البشر كالمغتربين واللاجئين أو كالعمّال الموسميين الأجانب. هؤلاء لهم غالباً وضع قانوني أكثر هشاشة. من هنا ضرورة العمل على أن تصبح حقوقهم الإنسانية الأساسية معترفاً بها ومضمونة. والواقع أن هؤلاء الناس هم في معظم الأحوال فريسة الادعاءات العنصرية ولا بدّ للقانون من أن يسهر على قمع الأعمال التهجميّة التي تستهدفهم ناهيك عن تصرّفات كل من يحاول – أمُمستخدَماً كان أم موظفاً أم فرداً عادياً – أن يُخضع هؤلاء البشر الأقل حظاً بالحماية لألوان مختلفة من الاستغلال الاقتصادي وغيره.
أجل، إنه يعود للسلطات الحكومية المسؤولة عن الخير العام أن تحدّد نسبة اللاجئين أو المستوطنين الممكن إضافتهم في بلدهم باعتبار ما لديها من إمكانات توظيف وتطلّعات إنماء وبالنظر أيضاً إلى ملحاحيّة الحاجة عند الشعوب الأخرى. وعلى الدولة أيضاً السهر على ألاّ تنشأ أوضاع يختلّ فيها التوازن الاجتماعي اختلالاً خطيراً مع ما يرافقها من ظاهرات رفض سوسيولوجية مثل هذا يمكن أن يحدث عندما يظهر تجمع بشري كثيف من ثقافة أخرى بمظهر المهدّد المباشر لهويّة الجماعة المحلّية المضيفة وعاداتها. في التدرّب على قبول الفوارق لا يمكن أن تطلب كل شيء دفعة واحدة. ولكن يجب اعتبار ما هنالك من إمكانات لتعايش جديد بل لتبادل في الثروات (الحضارية). فإذا ما قُبِل شخص غريب وخضع لقوانين النظام العام فله الحق في أن يتمتع بحماية القانون طوال مدة اندماجه الاجتماعي.
كذلك شرعة العمل يجب ألاّ تسمح بأن يتعرّض أجانب وجدوا وظيفة في بلد لم ينالوا فيه المواطنية لمعاملة تفريقيّة تجحفهم بالنسبة إلى العمّال المحليين في ما له علاقة بالراتب والخدمات الاجتماعية وضمانات الشيخوخة إذا هم أدّوا قدراً متوازياً من العمل. فإنه لَفي علاقات العمل بالضبط يجب أن ينشأ تعارف أفضل وقبول متبادل بين أقوام من أرومات إتنيّة وثقافية مختلفة وتتوثّق عرى تضامن إنساني أهل لأن يتخطى الادعاءات السالفة.
30- على الصعيد الدولي ينبغي الاستمرار في إعداد وسائل قانونيّة لمكافحة العنصرية، والعمل خصوصاً على تزويدها بالفاعلية الكاملة.
فمن بعد تجاوزات النازيّة، التزمت الأمم المتحدة التزاماً قويّاً بما يضمن احترام الناس والشعوب (68). وقد تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها العشرين في 21 كانون الأول 1965 وثيقة هامة هي " الميثاق الدولي لإلغاء جميع أشكال التفرقة العنصرية " ومما تنص عليه هذه الوثيقة أن "ليس هناك شيء يمكن أن يبرّر. أينما كان التفرقة العنصرية لا نظرياً ولا عملياً " (المقدمة الفقرة 6). وهي تستدرك أحكاماً قانونية وقضائية لوضع هذه التدابير موضع التنفيذ. هذا الميثاق بدأ العمل به في 4 كانون الثاني 1969، ووافق عليه الكرسي الرسولي بطريقة رسمية في 1 آب من السنة عينها.
وقد قرّرت الأمم المتحدة في 2 كانون الثاني 1973 أن تعلن "عُشاريّة كفاح العنصرية والتفرقة العنصرية " وأعرب بولس السادس فوراً عن "اهتمامه الكبير" و"ارتياحه العميق" لهذه البادرة الجديدة : "هذا المسعى الإنساني الراقي سوف يُلفي مرة أخرى جنباً إلى جنب الكرسي الرسولي والأمم المتحدة، وإن على صُعُد متنوعة وبوسائل مختلفة "(69).
ويضم المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة (ECOSOC)، منذ سنة 1946 لجنة حقوق الإنسان أنشأت لجنة فرعية لمكافحة الإجراءات التفريقيّة وحماية الأقليّات.
وقد تواصلت مساهمة الكرسي الرسولي في إطار مشاركة مندوبيه في غير واحدة من المناسبات الهامة في هذه العُشاريّة، كما في غيرها من الاجتماعات بين مختلف الحكومات (70). وقد أعلِن في ما بعد عن عُشارية ثانية.
31- هذه الجهود التي بذلها الكرسي الرسولي بصفته عضواً بارزاً في الأسرة الدولية يجب ألاّ تُعزل عن الجهود المتعدّدة الوجوه للجماعات المسيحية في مختلف أنحاء العالم، ولا عن الالتزام الشخصي للمسيحيين في إطار المؤسسات المدنية المشتركة.
في هذا النطاق يجدر التنويه بمساهمة مختلف الأسقفيات في العالم. بالإمكان أن نذكر على سبيل المثل الجهود التي يبذلها أساقفة بلدين مُتّسمين بخبرة حادة وإن مختلفة للمعضلات العنصرية.
النموذج الأول نجده في الولايات المتحدة الأمريكية حيث التفرقة ظلّت قائمة في تشريعات عدد غير قليل من الولايات زمناً طويلاً بعد الحرب الأهلية (1861 – 1865). وظلّت الحال هكذا حتى سنة 1964 وفيها صدر قانون الحقوق المدنية ووضع حدا لكل أشكال التفرقة في ممارستها القانونية. وكانت تلك خطوة كبيرة إلى الأمام، اقتضى نُضجها وقتاً طويلاً وتخللتها مبادرات اتّسمت باللاعنف. وقد ساهمت الكنيسة الكاثوليكية في هذا المسار وبخاصة عبر تصريحات المصف الأسقفي (71)، ومن خلال شبكتها التربوية الواسعة.
بالرغم من الجهود الكثيرة المستمرة، يبقى عمل كثير لإلغاء كل الادعاءات وكل التصرفات العنصرية إلغاءً كاملاً حتى في هذا البلد الذي يمكن اعتباره دولة من أكثر الدول اختلاطاً عرقياً في العالم. والدليل على ذلك التصريح الذي تبنّاه المجلس الإداري للجمعية العمومية للأساقفة الكاثوليك في الولايات المتحدة في 26 آذار 1987 وفيه إشارة إلى استمرار بعض دلائل العنصرية في المجتمع الأمريكي وتنديد بنشاط المنظمات العنصرية مثل "الكوكلوكس كلان".
النموذج الثاني نجده في كنيسة جنوبي أفريقيا التي تواجه وضعاً مختلفاً جداً. نعرف إلى أي مدى يلتزم أساقفة جنوبي أفريقيا بالتعاون الوثيق غالباً جداً مع الكنائس المسيحية الأخرى بقضية المساواة العرقية ومكافحة التفرقة. ويمكننا في هذا المجال أن نذكر الوثائق الأحدث الصادرة عن مجلس الأساقفة : الرسالة الرعوية التي نشرت في 1 أيار 1986 بهذا العنوان البليغ : "الرجاء المسيحي في الأزمة الراهنة "(72)، والبلاغ الموجّه إلى رئيس البلاد في آب 1986 (73).
الوضع في جنوبي أفريقيا أثار في العالم الكثير من مظاهر التضامن مع المتألمين بسبب التفرقة والدعم أيضاً للمبادرات الكنسية (74). وعلى كلّ فإن هذه المبادرات تُتخَذ غالباً في جوّ من التشاور المسكوني. والبابا يوحنا بولس الثاني من جهته لم يُقصّر في الإعراب غالباً عن اهتمامه للأساقفة الكاثوليك في جنوبي أفريقيا(75). وقد توجه البابا أثناء سفره إلى أفريقيا الجنوبية في 10 أيلول 1988 إلى جميع أساقفة المنطقة الملتئمين في هراري وقال لهم في ما قال : "إن معضلة التفرقة إذا أريد بها نظام تمييز اجتماعي واقتصادي وسياسي، تلزمكم بالرسالة التي أ ُقِمتُم لها بصفتكم معلمين وهداة روحيين لرعاياكم في جهد محدّد وضروري لتحييد المظالم والمطالبة بتبديل مثل هذه السياسة، بنظام مبني على العدالة والمحبة. وإنّي أحضّكم على التمسّك بحزم وشجاعة بهذه المبادئ التي هي مرتكزات استجابة سلمية عادلة للتطلعات الشرعية عند جميع مواطنيكم.
"إنّي أعلم الموقف الذي تبنّاه على مرّ السنين المجلس الكاثوليكي لأساقفة أفريقيا الجنوبية، بدءاً بالوثيقة الأولى الصادرة سنة1952. فالكرسي الرسولي وأنا شخصيّاً وجهنا انتباهنا في مناسبات كثيرة إلى مظالم التفرقة، ومنذ وقت أقرب قبل الزيارة التي قام بها لروما لفيف مسكوني من الزعماء المسيحيين في جنوبي أفريقيا. وقد قلت لهم مذّكراً : "بما أن المصالحة هي في صلب الإنجيل فالمسيحيون لا يسوغ لهم أن يرضوا ببنيات التفرقة العنصرية التي تنتهك الحقوق الإنسانية. ولكن يجب أن يدركوا أيضاً أن تغيير البنيات يقترن بتغيير القلوب. إن التحوّلات التي يتوقون إليها جذورها في قدرة الحب أعني الحب الإلهي منبع كل عمل وكل تحوّل مسيحي (76)" (خطاب إلى وفد مسكوني من جنوبي إفريقيا 27 أيار 1988).
32- أخيراً إذا كان من شأن العنصرية أن تعكّر سلام المجتمعات فهي تسمّم على السواء السلام الدولي. فعندما تُفتقَد العدالة في هذه القضية الجوهرية ينفسح المجال لتفجّر العنف والحروب، وتتعكّر العلاقات من ثمّ بين الدول المتتاخمة.
ففي العلاقات بين الدول لا بدّ من تطبيق نزيه لمبادئ المساواة في الكرامة بين جميع الشعوب فلا تعود هناك أمم تعاملها أمم أخرى من منطلق الادعاءات العنصرية. وفي التوتّرات بين الدول ، بالإمكان أن نجرّم ما يعتمده الخصم من خيارات سياسية أو ما يقوم به من تصرّف جائر في قضية ما وأن نندّد عند الاقتضاء بنكوصه عن الوعد المقطوع بيد أننا لا يسوغ لنا أن ندين شعباً برمته بسبب ما ليس هو في الغالب سوى خطأ من قِبَل ساسته. ففي مثل هذه الانفعالات البدائية العشواء يمكن أن تستعيد الادعاءات العنصرية سيطرتها وتسمّم العلاقات بين الدول بطريقة مستديمة.
مع أن الأسرة الدولية لا تملك وسائل القمع تجاه الدول التي تمارس حتى الآن بموجب نظامها القانوني التفرقة العنصرية في حق شعوبها ذاتها، فإن القانون الدولي يسمح بأن تُمارَس عليها ضغوط خارجية مناسبة لحملها وفقاً لخطة منظمة ومدروسة على إلغاء التشريع العنصري، والانتقال إلى قانون يرعى حقوق الإنسان. ولكن يجب على الأسرة الدولية أن تسهر بأشد التّنبه في هذه الأحوال الدقيقة على ألاّ يفضي مسعاها إلى زجّ البلد المعنيّ في صراعات داخليّة أفجع.
وأمّا البلاد التي تسودها توترات عنصرية خطيرة فعليها أن تتنّبه لهشاشة سلام لا يرتكز على توافق جميع عناصر المجتمع. ويعلّمنا التاريخ أن التمادي في تجاهل حقوق الإنسان يكاد أن يفضي دائماً إلى إثارة تفجرات عنف لا يمكن السيطرة عليها. فلكي يُصار إلى خلق نظام مبنيّ على الحق لا بدّ للأطراف المتنازعة من أن تهتدي بهدي القيم المطلقة السامية التي تقوم عليها كل أسرة بشرية وكل علاقة سلمية بين الأمم.
33- خلاصة :
يبدو أن مكافحة العنصرية أصبحت بلا مراء مقتضىً واسع الرسوخ في الضمائر البشرية. وقد أعرب ميثاق الأمم المتحدة (1965) بقوّة عن هذا اليقين : "كل اعتقاد بالتفوّق المبنيّ على التفرقة بين الأعراق، إنما هو خطا علمي مشجوب أدبيّاً وظالم وخطير اجتماعياً (77)" وعقيدة الكنيسة تؤكد ذلك بما لا يقلّ حزماً : فكل نظرية عنصرية تناقض الإيمان والمحبة المسيحيين. ومع ذلك لا تزال العنصرية قائمة في تناقض مع هذا الوعي المتنامي لكرامة البشر ولا تني تنبعث بأشكال جديدة. إنها جرح لا يزال مفتوحاً بطريقة غامضة في جنب البشرية. ولا بدّ إذاً من أن يتوفر الجميع على علاجه بكثير من الحزم والأناة.
ولكن لا مجال لخلط الأشياء دون تمييز. فللعنصرية درجات ونماذج متنوعة. العنصرية بمعناها الحصري دأبها احتقار عرق ٍ ما يتميّز بأرومته الإتنيّة أو بلونه أو بلغته. والتفرقة هي اليوم شكل من أكثر أشكال العنصرية بروزاً ومنهجيّة وتغييرها ضرورة ماسّة على وجه الإطلاق. بيد أن هناك أشكالاً أخرى كثيرة من العزل والرفض، لا تدّعي العرق حجّة لها. بيد أن النتائج هي هي. وإنما المطلوب التصدّي بحزم لجميع أشكال التفرقة. وإنه لمن باب المداجاة أن نشير إلى بلد واحد بإصبع الإتهام، لأن الرفض المتسم بالعنصرية قائم في جميع القارات. وكثيرون يمارسون التفرقة فعلاً ويكرهونها مبدأ ً.
حرمة كل إنسان وكل عرق إنما هي حرمة الحقوق الأساسية والكرامة والمساواة الجوهرية. ولكن ذلك لا يعني طمس الفروق الثقافيّة. والأَولى تربية الناس على أن يقدّروا بطريقة إيجابية التنوعية التكاملية بين الشعوب. فالتعددية في مفهومها السليم تحلّ مشكلة العنصرية المنقبضة على ذاتها.
إدانة العنصرية والأعمال العنصرية أمر لا مفرّ منه. وتطبيق الإجراءات القانونية والتأديبية والإدارية عليها، وحتى الضغوط الخارجية المناسبة، يمكن أن يكون في محلّه. وللبلاد والمنظمات الدولية في هذا الشأن مجال واسع للمبادرات الممكن اتخاذها أو الحمل عليها. تلك هي أيضاً مسؤولية المواطنين المعنيين ولكن من غير أن يفضي بهم الأمر، عن طريق العنف إلى إبدال وضع ظالم بمظلمة أخرى. وينبغي دائماً اعتماد الحلول البنّاءة.
كل هذا الكنيسة الكاثوليكية تشجّع عليه. والكرسي الرسولي له فيه قسط يندرج في إطار رسالته الخاصة. والكاثوليك كلهم مدعوون إلى العمل في هذا النطاق، جنباً إلى جنب المسيحيين الآخرين، وجميع الكَلِفين بهذا الاحترام للإنسان. إلاّ أن الكنيسة تجهد خصوصاً في تغيير الذهنيّات العنصرية حتى ضمن جماعاتها الخاصة. فهي تناشد أولاً الحسّ الأدبي والديني عند الإنسان، وتعرب عن بعض المقتضيات مستعينة في ذلك بالإقناع الأخوي، سلاحها الوحيد، وتسأل الله أن يبدّل القلوب وتفسح المجال للمصالحة وتتمنّى أن تتعزّز مبادرات الضيافة والمبادلة والتعاون تجاه رجال ونساء ينتمون إلى مجموعات إتنيّة أخرى. ورسالتها، ضمن هذا المسعى الكبير للأخوّة البشرية أن تمدّ العالم بمزيد من الروح. وبالرغم من محدوديّة أبنائها الخاطئين أمس واليوم تعلم أنها أقيمت شاهدة محبة المسيح على الأرض وعلامة ً ووسيلة ً لوحدة الجنس البشري. والشعار الذي تقترحه للجميع وتسعى إلى جعله منهجاً لحياتها : "كل إنسان هو أخي "
3 تشرين الثاني بمناسبة التذكار الليترجي للقديس
مرتين دي بورّيس
(المولود في ليما من أب إسباني وأم عبدة زنجية )
الكاردينال
روجيه إتشيغاراي
رئيس اللجنة الحبرية "عدالة وسلام"
+ خورخي مخيّا
-------------------------------------------------
المراجع
1) انظر أفسس 2/14
*الجزء الأول : ليس من شأننا هنا أن نكتب في العنصرية تاريخاً كاملاً ولا في موقف الكنيسة منها. إنما نكتفي بتعداد بعض النواحي البارزة في هذا التاريخ، وإبراز ما يتميّز به التعليم الكنسي الرسمي من تماسك في مواجهة الظاهرة العنصرية. ولكننا لا نبغي بهذا الداعي تغطية الشوائب ولا بعض التواطؤات أحياناً عند بعض رجال الكنيسة أو بعض المسيحيين العاديين.
2) تكوين 19/5
3) مرقس 16/15، 28/19
4) Ad Nat. 1, 8 : PL 1, 601
5) Colección de documentos inéditos relativos sl descubrimiento. conquista y organización de las angiguas posesiones españolas de America y Oceanía, t.7. Madrid 1867 ,414.Voir de même le Bref Pastorale Officium du 29 mai 1537 à l"Archevêque de Tolède , in : ibib 414 , et H. Denzinger.
-A schoenmetzer , Enchiridion symbolorum , Barcelone, 1973.
* الأنسيين : هم المعنيون بشؤون الإنسان (للمترجم)
6) لا يكن لكم أي اندفاع ولا تقيموا أي برهان لاقناع هذه الشعوب بتبديل شعائرهم وعاداتهم وأعرافهم، إلا إذا اتضحت منافاتها للدين وللأخلاق. وأي خطر أفدح من أن ننقل إلى الصينيين فرنسا أو إسبانيا أو إيطاليا أو أي بلد آخر في بلاد أوروبا. لا تسرّبوا إليهم بلادنا بل الإيمان. لا تسعوا إلى أن تُحلّوا العادات الأوروبية محل العادات المرعيّة عند هذه الشعوب، واسعوا أعظم جهودكم لتتكيفوا وإياهم "
Collectanea S. Congregationis de Propaganda Fid seu Decreta, Instructiones, Prescripta pro apostolicis missionibu (1622-1866) , Vol,1, Rome , 1907 ,n. 135 , et Cokicis Iuris Canonici Fontes (éd. Card. J. Serédi), Vatican, 1935, vol.VII n.4463 , p. 20.
7) نعرف مثلاً التفسير الذي اعتمده بعض الأصوليين للّعنة التي رشق بها نوح ابنه حام، فحكم عليه في حفيده كنعان، أن يكون عبداً لإخوته (تكوين 9/14 – 27 ) لقد كانوا على شطط في فهم هذا النص المقدّس، معنى وقصداً، وهو إنما يهدف إلى وصف وضع تاريخي : العلاقات العسيرة بين الكنعانيين وشعب إسرائيل. كانت بغيتهم أن يروا في حام أو كنعان جدّ الشعوب الإفريقية الخاضعة لهم، وكانوا من ثم يعتبرون هؤلاء موصومين من قبل الله بوصمة لازبة تجعلهم في مرتبة أدنى وملزمين بخدمة البِيض على الدوام.
8) راجع من بين مؤلفات J.A.Gobineau : " بحث في تفاوت الأعراق البشرية " 4 مجلدات، باريس 1854- 5. وكان Gobineau ينتسب إلى داروين، ويطبق على المجتمعات والحضارات طروحاته في شأن الفرز الطبيعي للأنواع.
* ترجمة لفظة Eugénisme (للمترجم ).
9) في 25 آذار 1928، صدر قرار من المجمع المقدس يدين اللاسامية AAS XX(1928), 103-104
10) AAS XIX(1937), 149
11) راجع Documentation Catholique 1938 , 579-580. في خطاب إلى أعضاء معهد نشر الإيمان، في 28 تموز 1938، نجد أيضاً للبابا بيوس الحادي عشر هذه الكلمات : "لفظة كاثوليك" تعني "جامع"، أي لا عنصري لا قومي بالمعنى الاعتزالي لهذه النعوت. نحن لا نريد أن نفرّق في شيء ضمن الأسرة البشرية..... عبارة "الجنس البشري" تكشف بالضبط عن مفهوم "العرق البشري". لا بدّ من القول إن البشر هم، قبل أي شيء آخر، جنس واحد كبير، وأسرة واحدة كبيرة من الخلائق الحيّة..... ليس هناك سوى عرق بشري واحد، شامل "كاثوليكي"....... ومعه وفيه أشكال متنوعة...... هذا هو ردّ الكنيسة انظر DC 1938, 1058-1061
12) انظر الرسالة العامة Summi Pontificatus , 28-10-1939 ,AAS XXXI (1939), 481-509
13) Radio-Message de Noёl 1942.AAS XXXV (1943), 14;23
14) في حضور أساقفة المجلس الأسقفي الملتئمين في الماترنوسهاوس، في أبرشية كولوني، نوّه البابا يوحنا بولس الثاني بشهادة الكاردينال – كونت كليمنس أوغست فون غالن، والكرملية إيث شتاين واليسوعي روبيرت ماير "وشهود آخرين لا يحصى عددهم، أقدموا على مجابهة هذا الطغيان البربري، مناهضين الاعتباطية الملحدة والظلم، وذلك من منطلق يقين ديني أو شعور إنساني... هؤلاء جميعهم يمثلون معاً ألمانيا الأخرى، تلك التي لم تلِن قناتها أمام الاغتصاب الوحشي والقوّة، والتي تمكنت من بعد الانهيار الحاسم، من أن تنشئ النواة السليمة ومصدر الطاقة لما تحقق بعد ذلك من إعادة بناء أدبية ومادية رائعة"، راجع DC 1987,567
15) في 30 تشرين الثاني 1973، تبنّت الأمم المتحدة معاهدة دولية لإزالة جرم التفرقة ومعاقبته. انظر أيضاً في شأن مغبّات التفرقة على الاستخدام : المؤتمر السابع للمنظمة الدولية للعمل، هراري (زمبابوي)، من 29 تشرين الثاني إلى 7 كانون الأول 1988.
16) بولس السادس في خطابه إلى اللجنة المختصة، في الأمم المتحدة، بمعضلة التفرقة، في 22 أيار 1974 : AAS LXVI (1974), 342-346 ، يوحنا بولس الثاني في خطابه إلى اللجنة ذاتها 7 تموز 1984 DC 1984,818-819 وفي خطابه إلى الهيئات الشرعية وإلى الهيئة الدبلوماسية في ياوندة 12 آب 1985 : DC 1985, 911, n.13
17) انظر خطاب يوحنا بولس الثاني إلى الهيئة الدبلوماسية، 11 كانون الثاني 1986 : DC 1986 ,199, n.4.
18) راجع خمسة خطابات ليوحنا بولس الثاني :
- إلى هنود الإكوادور في لاتاكونغا : 31 كانون الثاني 1985 DC 1985,323-326
- إلى هنود البيرو في كوزكو، 3 شباط 1985 : DC 1985, 341-344
- إلى السكان البلديين في أستراليا في أليس سبرينغ، 29 تشرين الثاني 1986 : DC 1986,61-63
- إلى هنود أمريكا الشمالية في فينكس، 14 أيلول 1987 DC1987 , 950-952 :
- إلى هنود كندا، فورت سمبسون 20 أيلول 1987 DC1987 ,975-976 :
انظر أيضاً رسالة يوحنا بولس الثاني بمناسبة يوم السلام العالمي 1989 : "لكي نبني السلام يجب أن نحترم الأقليات".
19) في شأن أفريقيا، انظر رسالة بولس السادس Africa e terrarium إلى الايررخية الكاثوليكية في أفريقيا 29 تشرين الأول 1967 1073-1079 (1967AAS LIX (، وخطابه إلى مجلس النواب في أوغندا. آب 1969 :AAS LXI (1969) 580-586 ، وخطابه إلى الهيئة الدبلوماسية 14 كانون الثاني 1978 DC 1978,102-103 n.2، يوحنا بولس الثاني خطابه إلى ممثلي الأقضية والهيئة الدبلوماسية في ياونده، 12 آب 1985 :DC 1985 ,910,nnº11 et 12 .
20) كثيراً ما ذكّر البابا يوحنا بولس الثاني، بطريقة خاصة، بحق الشعب الفلسطيني في أن يكون له وطن كما للشعب اليهودي.
21) انظر خطاب يوحنا بولس الثاني بمناسبة زيارته للكنيس اليهودي في روما 13 نيسان 1986 DC 10,86,437
22) راجع إرشاد من مجمع العقيدة والإيمان في احترام الحياة البشرية الناشئة، وكرامة الإنجاب Donum Vitae,22 fév. 10,87,III "إن النسالية وضروب التفرقة بين الخلائق البشرية يمكن أن تجد لها في ذلك مبرّراً : وفي هذا ما يُشكل عنفاً ومساساً خطيراً بالمساواة والكرامة والحقوق الأساسية التي يتمتع بها كل إنسان ".
23) الدستور الراعوي Gaudium et Spes, n. 29 ، راجع أيضاً المرجع نفسه فقرة 60 (الحق في التثقيف)، راجع أيضاً التصريح Nostra actate n.5، القرار Ad gentes , n. 15 التصريح (الحق في التربية) Gravissimum educationis n.1
24) انظر خطابه إلى الهيئة الدبلوماسية 14 كانون الثاني 1987 AAS LXX (1987),172 :. هناك نصوص أخرى كثيرة سابقة، كتبت في الاتجاه ذاته منها :
- الرسالة العامة Populorum progression , nn. 47 et 63
- رسالة بولس السادس إلى شعوب إفريقيا، ألقاه أمام أعضاء مجلس النواب الأوغاندي 1 آب 1969 :AAS LXI(19690,580-586
-رسالة رسولية لبولس السادس : AAS LXIII (1971) 413,n 16
- رسالة بمناسبة يوم السلام العالمي 1971 : "كل إنسان هو أخي".
25) خطاب يوحنا بولس الثاني إلى اللجنة الخاصة المعنية بمعضلة التفرقة العنصرية، في منظمة الأمم المتحدة، 7 تموز 1984 DC 1984, 818
26) Le racisme devant la Science , UNESCO , Paris 1973 ,n. 1, 369
27) تكوين 1/26 – 27، 9/6 : محرّم سفك دم الإنسان المخلوق على صورة الله.
28) الإعلان المجمعي Nostra Actate, n..5، وقد جاء على ذكره يوحنا بولس الثاني في خطابه إلى الشبان المسلمين في كازابلانكا في 19 آب 1985، وأضاف : "هذه الطاعة لله وهذا الحب للإنسان يجب أن يحملانا على احترام حقوق الإنسان هذه الحقوق التي هي التعبير عن إرادة الله ومقتضى الطبيعة البشرية كما خلقها الله " DC 1985, 943
29) تكوين 3/20
30) طوبيا 8/6
31) تكوين 5/1
32) أعمال 17/26، 28، 29
33) تكوين 9/11 وما يتبع
34) تكوين 12/3، أعمال 3/25
35) الدستور المجمعي 22، Gaudium et Spes
36) كولوسي 1/15، قو 4/4
37) فيليبي 2/6 – 7
38) روما 8/29
39) كتاب القداس بالطقس الروماني، صلاة التقدمة
40) Adversus Haereses, III ,22, 3 : "الرب هو الذي جدّد في ذاته جميع الأمم منذ آدم، وجميع الألسنة والأجيال البشرية، بما فيها آدم نفسه " ويستوحي القديس إيريناوس هذه المعاني من القديس بولس، أفسس 1/10، كولوسي 1/20
41) روما 1/16 - 17
42) أفسس 2/11- 12
43) أفسس 2/14
44) أفسس 2/15 – 16
45) قولوسي 3/11، غلا/28
46) يوحنا 11/52
47) يوحنا 4/4-42
48) لوقا 10/33
49) مرقس 7/24
50) متى 25/38، 40
51) متى 28/19
52) الصلاة الافخارستية فقرة 3
53) أعمال 2/5
54) تكوين 11/1-9
55) أعمال 10/28،34
56) الدستور المجمعي Lumen Gentium, 1
58) الدستور المجمعي Lumen Gentium, 32
59) انظر رسالة يوحنا الثالث والعشرين العامة Pacem in terries، 11 نيسان 1963، وفيها يندد البابا، بعد بيوس الحادي عشر، بالفضيحة الناجمة عن استمرار إيديولوجيات تزعم أن بعض " البشر أو بعض الأمم هم بالطبيعة أرقى من غيرهم ".
60) هو موضوع اليوم العالمي للسلام لسنة 1971.
61) الرسالة العامة في الاهتمام بالشأن الاجتماعي، فقرة 38.
62) المرجع نفسه، فقرة 39.
63) مرقس 7/21-23.
64) يوحنا 3/21.
65) انظر مذكرة مجمع الإيمان : "الحرية المسيحية والتحرر".
66) حزقيال 18/32
67) انظر رسالة البابا يوحنا بولس الثاني بمناسبة اليوم العالمي للسلام 1989 : "لبناء السلام يجب احترام الأقليات"
68) نذكر خصوصاً : ميثاق الأمم المتحدة، 26 حزيران 1945، بند 1 فقرة 3، الإعلان الشامل لحقوق الإنسان، 10 كانون الأول 1948، بند 1، فقرة 22، 26، II ، إعلان الأمم المتحدة في إلغاء جميع أشكال التفرقة العنصرية 20 تشرين الثاني 1963.
69) بلاغ إلى الأمم المتحدة بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين للإعلان الشامل لحقوق الإنسان، 10 كانون الأول 1973،
AAS LXV (1973) 673-677, DC 1974 , 14. بمناسبة هذه العُشارية، نشرت اللجنة الحبرية "عدالة وسلام"، سنة 1978، بقلم الأب روجيه هيكل اليسوعي (Roger Heckel)، كتيّباً بعنوان : "مكافحة العنصرية : مساهمة الكنيسة فيها"، وفيه توضيح لكل هذه القضية.
70) يمكن أن نذكر خصوصاً :
- المؤتمر الدولي في شأن ناميبيا وحقوق الإنسان (داكار 5- 8 كانون الثاني 1976
- المؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية (لاغوس 22- 26 آب 1977
- اجتماع ممثلي الحكومات المعنيّة بصياغة مشروع إعلان في العرق والادعاءات العنصرية (UNESCO) (باري 13- 21 آذار 1978 )
- المؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية والتفرقة العنصرية (جنيف 14- 15 آب 1978)
- المؤتمر العالمي الثاني لمكافحة العنصرية والتفرقة العنصرية (جنيف 1-26 آب 1983 )
71) راجع الوثيقة الأهم في العُشارية الأخيرة "Brothers and Sisters Us:a Pastoral Letter on Racism in Our Day 1979.
72) انظر الترجمة الفرنسية DC 1986 ,699-701
73) راجع OR ,3-4 November 1986 , P.6.
74) يمكن أن نذكر خصوصاً الرسالة التي وجهها الكردينال إتشيغاراي في 8 آذار 1986 إلى المونسنيور دينيس هورلي (Denis Hurley ) ، رئيس المجلس الأسقفي آنذاك، لتشجيع جهود الأساقفة وتدبّر الإجراءات الممكنة لتخطي الصراع، انظر OR ,19 Avril 1986 , P. 5
75) خصوصاً بمناسبة الزيارات القانونية للأعتاب الرسولية، وكان آخرها في تشرين الثاني 1987، راجع خطاب يوحنا بولس الثاني في OR , 28 November 1987 b. 4
76) L'Osservator e Ramano ,éd. française , 20 Septembre 1988 ,P. 3
77) هي الحيثيّة السادسة من مقدمة الميثاق الدولي في شأن إلغاء جميع أشكال التفرقة العنصرية الذي تمّ تبنّيه في 21 كانون الأول 1965، ووضع موضع التنفيذ في 4 حزيران 1969.