back to Pere Nassim Doc.

لكي نبتعد عن التمظهر والكبرياء!


إخوتي الأحبّاء،
قارب شهر أيّار على نهايته...
وهو كان حافلًا بأحداث كثيرة جعلت الكثير منّا ينسى عادةً حميدة لدينا هي التأمّل بفضائل العذراء مريم كمثالٍ للمؤمنين...
من هذه الفضائل وربّما أهمّها فضيلة التواضع التي تميزت بها عذراء النّاصرة منذ أوّل ظهورٍ لها في الكتاب المقدّس حين أجابت الملاك: "هَا أَنا أَمَةُ الرَّبّ، فَلْيَكُنْ لِي بِحَسَبِ قَوْلِكَ!" (لوقا 1/ 38).
ولكن لسنا هنا في وارد مقالٍ روحيّ حول فضائل مريم العذراء وقد سال الكثير من الحبر حول هذا الموضوع... بل نحن في وارد مجموعة تساؤلاتٍ حول سلوكيّاتنا الّتي ابتعدت كثيرًا عن مثال مريم ولا سيّما في مسألة التواضع!
ومع الأسف الشّديد، كلّما أتى شهر أيّار، تبدأ هذه الفضيلة بالتقهقر مع سلسلة المناسبات التي يفترض أن تكون من أبهى أشكال التعبير عن الإيمان كالاحتفالات بالعمادات والقربانة الأولى الاحتفاليّة والأعراس...


أ‌- نبدأ بالعمادات...
إعتبرت الكنيسة هذا السرّ بمثابة "مفتاح الدّخول" إلى ممارسة الأسرار وحياة الإيمان فتدخل الكنيسة المؤمن – المعمّد إليها وتكلّف أهله وعرّابَيْه مرافقته في التنشئة المسيحيّة على دروب الحياة... ولكن:
1- هل يعي الأهل دورهما؟ هل يدركان بأنهم مدعوّان لمنح أولادهما ما هو أهمّ من الحياة الجسديّة: الحياة الرّوحيّة؟ هل يعيان بأنّهما مدعوّان أيضًا كي يورثا أبناءهما وبناتهما ما هو أهمّ من المال والأراضي والممتلكات؟
2- هل يعي العرّابان بأنّ دورهما لا يقتصر على تمويل الاحتفال أو على مجرّد الوقوف يوم العماد فقط إلى جانب المعمّد؟ هل يدركان بأنّهما الوالدان الرّوحيّان له واللّذين يتوجّب عليهما مرافقته روحيًّا في حياته الرّوحيّة؟
3- هل يعي الحضور بأنّه مدعوٌّ لتجديد إيمانه مع كلّ معموديّة وتثبيت لتذكّر دوره في "مسحنة" الخليقة كلّها؟
4- أو يقتصر كلّ شيء على العشاء أو الغذاء وعلى من زايد على من في اللّباس والجواهر و....؟؟؟

ب‌- ثمّ القربانة الأولى...
يأتي هذا السرّ ليؤكّد على انتماء المؤمن إلى جسد المسيح السرّي (الكنيسة) ويكون بمثابة إطلاقٍ لمهمّة الضمير لديه حيث يتنشّأ لممارسة سرّ التوبة مع تحضيره في الوقت عينه لتقبّل جسد المسيح ودمه... ولكن:
1- هل يعي الأهل دورهما هنا أيضًا؟ هل يدركان بأنهما مدعوّان لتحضير الأجواء المناسبة لأولادهما لأهمّ حدثٍ في حياتهما الرّوحيّة؟ هل يعيان بأنّهما مدعوّان أيضًا لأكثر من التفكير في لائحة المدعويّن والهدايا التذكاريّة والعشاء أو الغذاء والثياب و...؟ هل يعملان لكي يكون تناول الجسد والدمّ هو الحدث الأبرز الّذي سيذكره الولد أو الفتاة أو أنّ "الزفّة" (مع الأسف لاستيراد طقوسٍ تشوّه إيماننا وهو ما سنتحدّث عنه في فقرة الأعراس) أو المطرب أو المطعم هو الأهمّ؟
2- هل يدرك العرّابان أهميّة تواجدهما لا كسائر الحضور بل كوالدين روحيّين للمتناول؟
3- هل يدرك الحضور بأنّ صلاته أهمّ من قيمة هديّته وبأنّ دعاءه بالخير للمتناول أهمّ من مراقبته للنواقص؟؟؟

ت‌- والأعراس...
يأتي هذا السرّ ليؤكّد على شراكة المؤمنين في سرّ الخلق مع الله الخالق وعلى ثقة الله بالإنسان كشريكٍ في تأمين استمرار الحياة ونموّها... ولكن:
1- هل يعي الأهل أيضًا وأيضًا دورهما هنا؟ هل يدركان بأنهما مدعوّان لتحضير الأجواء المناسبة عبر الاستعداد لتقبّل فكرة ولادة عائلة جديدة مستقلّة بكلّ ما للكلمة من معنى؟ هل يعيان هنا أيضًا بأنّهما مدعوّان لأكثر من التفكير في لائحة المدعويّن (وحساب من تخطّى العدد المطلوب!) والعشاء أو الغذاء والثياب و...؟ هل يعلمان بأنّ المزايدة بين العائلات تؤذي العروسين وتنغّص فرحتهما في كثيرٍ من الأحيان؟
2- هل يدرك العروسان بأنّ تحضير زواجهما الّذي يفترض أن يستمرّ كلّ الحياة أهمّ بكثير من حصر تركيزهما فقط في يوم زواجهما الّذي سيستمرّ يومًا واحدًا فقط؟ هل سيغرقان في تفاصيلٍ لن تستمرّ أكثر من بضع ساعات على حساب "السرّ" الّذي سيستمرّ مدى العمر؟ هل سيلتحقان بركب من سبقوهما فيسمحان لمتعهّد الزفّة بأن يفرّقهما في المطعم بعد أن جمعهما الربّ في الكنيسة؟ هل سيغرقان في الدّيون كي يطفئا حسدهما من فلان أو علتانة؟ أو سيراهنان على ال "Liste de Mariage" كي يحقّقا أرباحًا من زواجهما؟
3- هل يدرك الحضور هنا أيضًا بأنّ صلاته أهمّ من قيمة هديّته وبأن دعاءه بالخير للعروسين أهم من مراقبته للنواقص أو المزايدة في اللباس والشعر و...؟؟؟
أسئلةٌ لا بدّمن طرحها في ختام شهر العذراء كي نحرّك ضمائرنا من سباتها الإيمانيّ!
وهي أيضًا مناسبة كي نتّخذ قرارًا شجاعًا بالتوقّف عن تنشئة أولادنا على روح الكبرياء والتعجرف والحسد وأوّل السبل هو أن نرفع دعاءنا إلى الربّ يسوع، في شهر حزيران، شهر قلبه الأقدس، قائلين:
"يا يسوع الوديع والمتواضع القلب، إجعل قلبنا مثل قلبك"


الخوري نسيم قسطون
القبيات في 28 أيار 2012

  back to Pere Nassim Doc.