back to Pere Nassim Kastoun Doc

صرخة وجع (3)

منذ بضعة أيام، كتبت عن ضرورة التمييز بين طمع وطمح...
يقول مار بولس: "كفقراء ونحن نغني كثيرين. كأن لا شيء لنا ونحن نملك كل شيء" (2 قور 6: 10)...
ما كتبت يهدف إلى التوعية بأن كثيرين منا تعميهم الأحلام الوردية و أوهام الغد الآمن... ولكن يوجد "مسلّة" لدى الكثيرين.
ببراءة الأطفال، ولدى توقفنا عند إحدى الإشارات الضوئية، تقاطر اﻷطفال، الحاملون حاجيات للبيع، قرب سيارتنا، فرأتهم ابنتي ولم تتكلم حتى انطلقنا فقالت: "شكرا لله لأنه لم يحرمنا من شيء كي لا نضطر لنكون مثل هؤلاء الأطفال"... فاضطرتني أن أفسر لها بأن هؤلاء لم يأتوا بمحض إرادتهم بل هناك من أرسلهم وهم مع اﻷسف أهاليهم وليس الله من حرمهم الطفولة بل أهلهم!
ولكن، من جهة أخرى، أدركت بأن أهم ما نزرعه في روح أطفالنا هو القناعة بما لديهم...
فليست الشهادة ما يصنع المجد بل صاحبها وليست الأموال من تصنع المقام بل طريقة تشغيلها وليست الماركة ما تصنع الملابس بل من يلبسها هو المهم!
مع الأسف الشديد، هناك من ربوا أولادهم على عقليّة غريبة عن مسيحيّتنا: الماركة هي المهمّة والأغلى هو الأفضل وصولًا إلى مبدأ: "كل فرنجي برنجي"...
ولكن!
يقلد شبابنا فناني الغرب وحتى فنّانونا يقلّدوهم ولكن هل تنبّهنا كأهل بأنّ معظمهم أسير الكحول أو الجنس... أهذا هو المثال الأعلى لشبيبتنا؟!
أمثالهم الأعلى جمهورٌ من الأسماء اللامعة التي تزيّن شاشاتنا وتفتخر بتاييدها للمساكنة الحرّة؟
إستلمت جواز سفر من مركز الأمن العام بهدف سفر لبضعة أيّام... هناك أصغيت إلى الكثير من النقّ وإلى أكثر بكثير من الأحلام الورديّة حتى كدت أبحث في جواز سفري وأهزّه لعلّه مليء بالدولارات أو بالذهب لأنّي كدت أقتنع بأنّ الأموال في الخارج تجرف جرفًا وبأنّ جواز سفري هو مفتاح الأمان والطمأنينة حتى كدت أنسى بأن سفرتي لمدّة 4 أيّام فقط...
ثمّ تذكّرت الوجه الآخر للغرب!
في أوروبا اليوم، ترمى آلاف الأجنة في النفايات أو تستخدم كأدوية والمجتمع يسمّي ذلك تمدّنًا!!!
يموت في بلدنا في حوادث السير أو حتى في العنف والانفجارات أقلّ من 5 بالمئة من عدد من يموتون بالجرعات الزائدة بالمخدّرات في أميركا أو كندا!!!!
قد يقول أحدهم: إنّها صورة سوداويّة ولكن الجواب سهل: لمَ وجه بلدك دائمًا أسود فيما تريد أن ترغمني أن أصدّق ما أراه في الأفلام؟
أحد أصدقائي زار أميركا وقال لي: داخل نيويورك يوجد شوارع وضعها أسوأ من بعض أسوأ شوارعنا!
في إيطاليا (حيث الفاتيكان في القلب)، شاهدت بأمّ العين بنات الهوى بأعداد كبيرة على الطرقات فيما كان الباص يقلّنا من مطار روما إلى أحد فنادقها!
في قلب فرنسا وفي بعض ضواحي المدن، لا تجرؤ الشرطة على الدّخول! بينما يعتبرها البعض آمنة فيما لا يرون في قلّة إيمان شعبها خطرًا؟!
قيل يومًا: "زيوان بلادك ولا قمح الصليبي!".
أكيد نعيش ظروف صعبة... أكيد نعلق في عجقات السير... أكيد لا يكفينا أحيانًا معاشنا... أكيد لا نستطيع احيانًا أن نعرف متى يكون الوضع هادئًا ومتى لا...ولكن!
أكيد أيضًا أنّنا ما زلنا نشعر بدفء العائلة أكثر... واكيد بأنّنا نستخدم كلّ شخص سيارته... واكيدٌ نصرف من معاشنا الكثير على ما لا لزوم له... وأحيانًا كثيرة لا توقفنا حربٌ عن "كزدورة" نوينا سابقًا أن نقوم بها...
إن كان لدينا ضميرٌ ما زال حيًّا علينا أن نعترف بأنّنا مسؤولون عن روحانيّة "البطر" و "قلّة الحيا" وحتى عن خلق جيل ندعوه "ما عندو قيمة لشي"...
فكما نربّي... نلاقي...
ربّما كلّ ذلك مبالغ فيه ولكن المغزى منه واضح: إن زرعنا القناعة في نفوس أطفالنا... شبّوا عليها وعندها يصبحون ممّن تنطبق عليهم آية مار بولس فيغنون الكثيرين بقناعتهم بأنّ المحافظة على الصحّة أهمّ أحيانًا من الدواء وبأنّ قيم العائلة أهمّ من أمان المال …
ربّما كثيرون منّا لا يدكون اهميّة عيشهم في بلد تقرع أجراسه أو في بلدٍ ما زال الجار فيه يزور جاره أو في بلدٍ يستطيعون فيه زيارة قبر والديهم كلّما قصدوا قراهم وبلداتهم!
أمورٌ بسيطة ولكن القناعة تجعلها بمثابة الكنز...
رحم الله من قال: القناعة كنز لا يفنى... وشكرًا ابنتي لأنّ مسلّة ما قلته نعرتني لأكتب...

الخوري نسيم قسطون – 20 كانون الثاني 2014

 

back to Pere Nassim Kastoun Doc