back to Salim Miayki page

إن ننسى فلن ننسى: الشهيد سليم معيكي… لولا ذاك الـ14 شباط

كتبت فيرا بو منصف في “المسيرة” – العدد 1444:

عيد الحب هنا. 14 شباط ولا تهمّ السنة أو التاريخ. نتكلّم حبّ ولا عمر لهذا. كيف أصبحوا قوافل؟ الشهداء؟ أليس لأنهم أحبوا حتى تضرّجوا؟ يقف سليم معيكي من المقلب الآخر، مكتّف اليدين يراقب بعمق. أشقر طويل القامة وسيم، جداً وسيم، مثقف، طليق اللسان، حرّ واثق الخطوة يمشي ملكاً. يراقب الحب الذي أهرق عمره لأجله. يبتسم، بألم عميق مخفي، هكذا تعوّد ألا يعلن خوفه ولا حتى حبّه عبر الكلمات، عندما كان هنا وأحبّ، لبس حبه بزّة خضراء وترافقا الى الجامعة والجبهة، كبرا معاً، ومعاً نسجا حكاية حلم بوطن، هو في الأساس حلو لكن حوّلوه الى مستنقع احتلالات. كان يريد ألا يرى وجهاً غريباً يحكم هذه الأرض، ولم يكن من الممكن أن يتفرّج أو يتلقّى النتائج من دون أن يكون في عمق القرار، في قلب المواجهة، فقرّر أن يكون مناضلاً منذ بداية الثمانينات في “القوات اللبنانية”.

هادر الحضور، شخصية قوية حاضرة في كل شيء، جعلته يتدرّج سريعاً ليصبح ملازماً أول في “القوات” ثم تسلّم قيادة معهد بشير الجميل في غوسطا. كان رفيق الحكيم في كل خطواته، مع نخبة من الضباط رفاقه، كان يعرف أنه موهوب في الكلام كما هو موهوب في القتال، عرف كيف يحوّل موهبة الكلام فيه وقدرته على الإقناع، الى قوة هادرة متنقلة من جامعة الى أخرى، ليصبح تباعاً محاضراً بين الطلاب ومنهم من كان بعمره، ثم مفاوضاً من الطراز الأول بين “القوات اللبنانية” وعناصر الجيش اللبناني أيام ميشال عون تحديداً، وقبل قليل من إعلان الأخير حرب الإلغاء على “القوات”.

يارا الجدايلها شقر بيتمرجح فيهن عمر، لا تخافي سالم غفيان مش بردان نايم ع تلة… وانقطع الإرسال… نام هو فوق التلة، كان عاشقاً لفيروز، يردد أغنياتها ومسرحياتها، كان معجباً بالشيخ بشير، يحفظ خطاباته غيباً ويقلّده بالوقفة وبالصوت والإشارات والعنفوان. تخرّج محامياً من اليسوعية ثم في اللاهوت من جامعة الكسليك، أربع لغات أتقنها، ولم يكن تخطى بعد الثامنة والعشرين ربيعاً، والأهم من كل هذا كان مقاوماً عنيداً لا يخاف “ما بيهاب من أي شي شجاع كتير وما في قدامو محظورات”، يقول أحد أصدقائه ورفاق الدرب الذين ساروا معاً طريق النضال.

عندما كلفه الدكتور جعجع مع رفاق له التوجه الى الجامعات لإلقاء محاضرات عن ضرورة المشاركة في نضال المجتمع المسيحي ضد الاحتلال السوري، توجّس الغالبية الخطوة خصوصاً أن أعمار “المحاضرين” كانت من عمر طلاب الجامعات، وكانت كلية الآداب في الفنار من حصّة سليم. “كلنا كنا نقزانين وخايفين كيف بدنا نقنع هالشباب إلا سليم ما فرقت معو طلع ع المنبر وبدأ الكلام بخطاب مقنع وصوت هادئ رائع وكأنو كل عمرو خطيب”، تأثر به كثر ولحق به كثر وكان قدوة لكثر، وكان مقدّراً له أن يتسلّم أعلى المناصب في “القوات” لولا… لولا ذاك الـ 14 شباط…

هكذا شاء عون يومذاك، كانت بدأت المناوشات مع بعض ضباط عون هناك وهنالك، حاصر الجنرال ثكنة لـ”القوات” في منطقة ساحة العبد، ذهب للتفاوض مع عناصر الجيش لفك الحصار، لما يملكه من حنكة وقدرة على التفاوض من الند للند، خصوصا مع ضباط الجيش. كان واثقا أنه لن يتعرّض لأي أذى خصوصاً أنهم كانوا يعلمون بقدومه، وصل المكان وما أن ترجّل من الجيب حتى عاجلوه برشق… وقف الحب الهادر عند تلك اللحظة. كان من المفروض أن يقدّم ربما وردة حمراء لمن يحبّ، فغرق في عطر التراب ونبت الأحمر فوق القامة الحلوة التي صارت من سماد الأرض.

كان زمن صوم، كتب في مفكرته الخاصة: “صمت ذاك الدير يحاكي التاريخ وقلق السؤال يرسم علامات فارقة على وجوه من في المعهد، ماذا نفعل هنا في مجتمع ضائع غريب عن ذاته، وفي مقاومة نصفها ضد النصف الآخر، وبين رفاق بعضهم استسلم وبعضهم لا شيء يعنيه وآخرون قلقون وما من جواب. صمت ذاك الدير قاتل جداً. تمنّيت لو من هذه الحجارة يخرج الوجه الآخر فينا”… وكتب أيضاً لعناصر الجيش: “إننا وإياكم رفاق فقر وتعب ومصيرنا واحد، تنتظرنا معاً أيام عز نلتقي فيها سوية على الجبهات في معارك التحرير”…

لولا عيد الحب لكان سليم معيكي، صنع من العيد حباً وللحب عيداً يفوق الأحمر القاني فيه مخمل الورد وكل عطر في الأرض يعلن الحب عليها، إنه الشهيد، هو عيد للحب…

*لأن الوفاء أقل ما يمكن أن نقدمه لشهدائنا، ولأن كل واحد منهم قصة بطولة وملحمة عنفوان، ينشر موقع “القوات اللبنانية” الالكتروني بالتعاون مع مجلة “المسيرة” ما عرضته في خانة “إن ننسى فلن ننسى” من حكايات رفاق توجوا نضالهم بالاستشهاد لنبقى ويبقى الوطن.

اسم الكاتب(ة): فيرا بو منصف
المصدر: المسيرة

October 31, 2014 16:33